للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «العنكبوت» «١»

أقول: ظهر لي في وجه اتصالها بما قبلها: أنه تعالى، لما أخبر في أول السورة السابقة، عن فرعون أنه: عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ [القصص: ٤] ، افتتح هذه السورة، بذكر المؤمنين الذين فتنهم الكفّار، وعذّبوهم على الإيمان، بعذاب دون ما عذّب به قوم فرعون بني إسرائيل، تسلية لهم، بما وقع لمن قبلهم، وحثّا لهم على الصبر ولذلك قال تعالى في هذه السورة: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الآية ٣] . وهذه أيضا من حكم تأخير سورة العنكبوت على (طسم) .

وأيضا، فلمّا كان في خاتمة «القصص» إشارة إلى هجرة النبي (ص) «٢» ، وفي خاتمة هذه الإشارة إشارة إلى هجرة المؤمنين بقوله تعالى: يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ

[الآية ٥٦] ، ناسب تتاليهما.


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، ١٣٩٨ هـ: ١٩٧٨ م.
(٢) . وذلك في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [القصص: ٨٥] . والمعنى: لرادّك إلى مكّة، كما في البخاري. ٦: ١٤٢. أي: كما خرجت منها. وبه قال ابن عبّاس، ويحيى بن الجزّار، وسعيد بن جبير والضّحّاك، واختاره ابن جرير (تفسير الطبري. ٢٠: ٨٠) .