للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «السجدة» «١»

قوله تعالى: ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) .

وهذه استعارة، لأن المهين لا يكون بحقيقته إلّا الإنسان، قال الله تعالى حكاية على لسان فرعون: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) [الزخرف] ، وقال تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) [القلم] ومهين فعيل من المهنة، وهي الخدمة، يقال مهن القوم يمهنهم مهنة إذا خدمهم والمهنة بكسر الميم خطأ، فيكون معنى من ماء مهين، على ما قدّمناه، أي من ماء مستذلّ، لأنّ ماهن القوم إذا خدمهم يكون ذليلا لهم، ومبتذلا بينهم.

- وقوله تعالى: أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [الآية ١٠] .

وهذه استعارة، لأنّها عبارة عن حال الموت والميت لا يوصف بالضلال، الّذي هو المتاه والضياع، فكأن المعن:

إذا دفنّا في الأرض، فكنّا كالشيء الضالّ، الضائع، لتفرّق أوصالنا، وتمزّق أعضائنا، تستأنف بعد هذه الحال، إعادتنا، وتستجدّ حياتنا كأنهم قالوا على سبيل الاستبعاد، وأخرجوه مخرج الاستطراف، والاستغراب فأعلمهم الله سبحانه، أنّهم لا يضلّون عن علمه، ولا يلطفون عن جمعه، وإن صاروا رميما وترابا، وفرقا وأوزاعا وفي عرف كلام العرب أنّ كل شيء غلب عليه شيء حتّى يغيّبه باشتماله عليه، فقد ضلّ فيه ويسمّون


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.