في أنّ هذه النعم الضافية، التي أسبغها ربهم عليهم، تستحق من العباد الشكر والايمان، لا الكفر والطغيان.
والآلاء جمع «ألى» ، أو «إلى» وهي النعمة، أي نعم الله عليكم وافرة، ترونها أمامكم، وخلفكم، وفوقكم، وتحتكم، فبأيّ هذه النعم تكذّبان؟
والخطاب هنا للجنّ والانس، لتذكيرهما بالإفضال المتلاحقة من الله تعالى، ولا يستطيعان أن يكذّبا، أو يجحدا، أيّ نعمة من هذه النعم.
روي أنّ رسول الله (ص) خرج على أصحابه، فقرأ عليهم سورة «الرحمن» ، من أوّلها إلى آخرها، فسكتوا، فقال النبي (ص) : لقد قرأتها على الجنّ، فكانوا أحسن ردّا منكم، كنت كلما أتيت على قوله تعالى فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣) قالوا: لا بشيء من نعمك ربّنا نكذّب، فلك الحمد.
كما روي أن قيس بن عاصم المنقري، جاء الى رسول الله (ص) فقال له: يا محمد، اتل عليّ شيئا ممّا أنزل عليك، فتلا عليه سورة «الرحمن» ، فقال: أعدها فأعادها (ص) فقال: والله إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وأسفله مغدق، وأعلاه مسفر، وما يقول هذا بشر، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله.
[المعنى الإجمالي للسورة]
المنّة على الخلق بتعليم القرآن، وتلقين البيان، ولفت أنظارهم إلى صحائف الوجود الناطقة بآلاء الله:
الشمس، والقمر، والنجم، والشجر، والسماء المرفوعة، والميزان الموضوع، وما فيها من فاكهة، ونخل، وحبّ، وريحان، والجن والإنس، والمشرقان، والمغربان، والبحران بينهما برزخ لا يبغيان، وما يخرج منهما، وما يجري فيهما.
فإذا تمّ عرض هذه الصحائف الكبار، عرض مشهد فنائها جميعا، مشهد الفناء المطلق للخلائق، في ظل الوجود المطلق لوجه الله الكريم الباقي، الذي إليه تتوجّه الخلائق جميعا، ليتصرف في أمرها بما يشاء، قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) .
وفي ظل الفناء المطلق للإنسان، والبقاء المطلق للرحمن، يجيء التهديد المروّع، والتحدّي الكوني للجن والإنس، ومن ثمّ يعرض السياق مشهد