للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الخامس المعاني المجازية في سورة «الطارق» «١»

في قوله سبحانه: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) استعارة. لأنّ الطارق هاهنا كناية عن النجم. فحقيقة الطارق: الإنسان الذي يطرق ليلا.

فلمّا كان النجم لا يظهر إلّا في حال الليل حسن أن يسمّى طارقا. وأصل الطّرق: الدقّ. ومنه المطرقة. قالوا:

وإنّما سمّي الآتي بالليل طارقا، لأنّه يأتي في وقت يحتاج فيه إلى الدّقّ أو ما يقوم مقامه للتنبيه على طروقه، والإيذان بوروده.

وفي قوله سبحانه: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) استعارة. وحقيقة هذا الماء أنه مدفوق لا دافق. ولكنه خرج على مثل قولهم: سرّ كاتم، وليل نائم. وقد مضت لهذه الآية نظائر كثيرة.

وعندي في ذلك وجه آخر، وهو أنّ هذا الماء لمّا كان في العاقبة يؤول إلى أن يخرج منه الإنسان المتصرّف، والقادر المميز، جاز أن يقوى أمره فيوصف، بصفة الفاعل لا صفة المفعول، تمييزا له عن غيره من المياه المهراقة، والمائعات المدفوقة. وهذا واضح لمن تأمّله.

وقوله سبحانه: وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) استعارة.

والمراد بها صفة السماء بأنها ترجع بدرور «٢» الأمطار، وتعاقب الأنواء،


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
(٢) . درت الأمطار درورا: هطلت.