يجد المتأمل في الآيات [٢٢- ٢٧] من سورة سبأ ظاهرة متميّزة: فقد تكرّرت لفظة «قل» في أول هذه الآيات، كما تضمّنت عددا من الأسئلة والحقائق بأسلوب رائع جزل.
لقد بدأت الآيات تتحدّى المشركين أن يدعوا الّذين يزعمون أنهم آلهة من دون الله، وهم لا يملكون نفعا ولا ضرّا، ولا يملكون شفاعة عند الله، ولو كانوا من الملائكة. فالملائكة يتلقّون أمر الله بالخشوع الراجف، ولا يتحدّثون حتّى يزول منهم الفزع والارتجاف العميق. ويسألهم الله عمّن يرزقهم من السماوات والأرض، والله مالك السماوات والأرض، وهو الّذي يرزقهم بلا شريك ثمّ يفوّض أمر النبي وأمرهم إلى الله، وهو الّذي يفصل فيما هم فيه مختلفون، ويختم هذا الفصل بالتحدّي كما بدأه، في أن يروه الّذين يلحقونهم بالله شركاء.
وهكذا تطوف الآيات بالقلب البشري في مجال الوجود كلّه: حاضره وغيبه، سمائه وأرضه، دنياه وآخرته، وتقف به أمام رزقه وكسبه وحسابه وجزائه ذلك كلّه في فواصل قوية، وضربات متلاحقة، وآيات تبدأ كلّ آية منها بفعل الأمر (قل) ، وكل قولة منها تدمغ بالحجّة، وتصدع بالبرهان في قوة وسلطان.
وفي أعقاب هذه الآيات بيان لرسالة الرّسول (ص) ، وأنها عامّة للناس أجمعين:
يستغرق الفصل الخامس من السورة الآيات [٢٩- ٤٢] ويبدأ بسؤال يوجّهه الكفّار للنبيّ (ص) عن يوم القيامة، استبعادا لوقوعه، والجواب أنّ ميعاده لا يتقدّم ولا يتأخّر، وقد اعتزّ الكفار بالأموال والأولاد، وقالوا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالكتب السابقة له.
وهنا يعرض القرآن موقف الظّالمين أمام ربّهم يتحاورون فيراجع بعضهم بعضا كلّ منهم يحاول أن يلقي التّبعة على أخيه، فيقول الضعفاء للسّادة