في قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) استعارة. وقد مضت لها نظائرها فيما تقدّم. والمراد بذكر اليد هاهنا استيلاء الملك وتدبير الأمر. يقال: هذه الدار في يد فلان أي في ملكه. وهذا الأمر في يد فلان أي هو المدبّر له.
فمعنى بِيَدِهِ الْمُلْكُ أي: هو مالك الملك، ومدبّر الأمر.
وقوله سبحانه: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤) هو من الاستعارات المشهورة.
والمراد بها، والله أعلم، أي: كرّر أيّها الناظر بصرك إلى السماء مفكّرا في عجائبها، ومستنبطا غوامض تركيبها، يرجع إليك بصرك بعيدا ممّا طلبه، ذليلا بفوت ما قدّره.
والخاسئ في قول قوم: البعيد. من قولهم: خسأت الكلب. إذا أبعدته.
وفي قول قوم هو الذليل. يقال رجل خاس أي ذليل، وقد خسي أي خضع وذلّ. والحسير: البعير المعيى، الذي قد بلغ السير مجهوده، واعتصر عوده.
فتلخيص المعنى أنّ البصر يرجع بعد سروحه في طلب مراده، وإبعاده في غايات مرامه، كالّا، معيى، بعيدا من إدراك بغيته، خائبا من نيل طلبته.