وقد بدأت القصة بالرؤيا يقصّها يوسف على أبيه، فينبئه أبوه بأن سيكون له شأن عظيم، وينصحه بألّا يقصّها على إخوته، كي لا يثير حسدهم فيغريهم الشيطان به، فيكيدون له. ثم تسير القصة بعد ذلك، وكأنما هي تأويل للرؤيا، ولما توقّعه يعقوب من ورائها، حتى إذا اكتمل تأويل الرؤيا في النهاية أنهى السياق القصة، ولم يسر فيها كما سار كتاب (العهد القديم) ، بعد هذا الختام الفني الدقيق الوافي بالغرض كل الوفاء.
وما يسمى بالعقدة الفنية في القصة الحديثة واضح في قصة يوسف، فهي تبدأ بالرؤيا، ويظل تأويلها مجهولا، ينكشف قليلا قليلا، حتّى تجيء الخاتمة فتحل العقدة حلا فنيّا طبيعيّا، يرضي الذوق الفنّي الخالص، ويرضي الوجدان الدينيّ، ويفي بدوره للقضية الكبرى التي سيقت القصة لها من الأساس.
والقصّة مقسّمة إلى حلقات، كل حلقة تحتوي على جملة من المشاهد، والسياق يترك فجوات بين المشهد والمشهد، بحيث يترك بين كل مشهدين أو حلقتين فجوة يملأها الخيال، ويكمل فيها ما حذف من حركات وأقوال، ويستمتع بإقامة الصلات بين المشهد السابق والمشهد اللاحق، فيمنح القصة بعض خصائص التمثيلية، ويملأها بالحركة والحيوية.
وهذه الطريقة متّبعة في جميع القصص القرآني- على وجه التقريب- وهي شديدة الوضوح في القصص الكبيرة، خصوصا قصّة يوسف الصديق.
[يوسف بين إخوته وأبيه]
أكرم الله عزّ وجلّ نبيّه يوسف (ع) بأصل كريم، فهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وقد رزق يعقوب اثني عشر ابنا هم الأسباط. كان يوسف وبنيامين من أم تسمى راحيل، وبقية الأسباط من أمهات أخرى.
وقد ماتت راحيل أم يوسف وتركته في الثامنة عشرة من عمره أشد ما يكون حاجة إلى قلب الأم وعطفها، ولهذا آثر يعقوب يوسف وبنيامين بالحب والحنان، فسرى داء الحسد بين بقية الإخوة، وقال قائل منهم: ألا ترون أن