إن قيل: لم قال تعالى: فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [الآية ٢] فقدّم الكافر في الذكر؟
قلنا: الواو لا تعني رتبة ولا تقتضي ترتيبا، كما قال تعالى: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥)[هود] ، وقال تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ [الحشر: ٢٠] ، وقال سبحانه: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ [فاطر:
٣٢] ، وقال تعالى: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩)[الشورى] . وقد ذكرنا في الآية الأخيرة معنى آخر في موضعها.
فإن قيل: قوله تعالى: وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ [الآية ٦] يوهم وجود التولّي والاستغناء معا بعد مجيء رسلهم إليهم، والله تعالى لم يزل غنيا؟
قلنا: معناه: وظهر استغناء الله تعالى عن إيمانهم وعبادتهم حيث لم يلجئهم إلى الإيمان، ولم يضطرّهم إليه مع قدرته تعالى على ذلك.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [الآية ١١] مع أنّ الهداية سابقة على الإيمان، لأنّه لولا سبق الهداية لما وجد الإيمان؟
قلنا: ليس المراد «يهد» قلبه للإيمان، بل المراد به «يهد» قلبه لليقين عند نزول المصائب، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. الثاني «يهد» قلبه للرّضا والتسليم عند نزول المصائب. الثالث
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.