وسواء قولك ذهبت عنه صفحا، وأعرضت عنه صفحا، وضربت وأضربت عنه صفحا، ومعنى صفحا هاهنا أي أعرضت عنه بصفحة وجهي.
والمراد، والله اعلم، أفنعرض عنكم بالذّكر، فيكون الذّكر مرورا بصفحه عنكم، من أجل إسرافكم وبغيكم؟ أي لسنا نفعل ذلك، بل نوالي تذكيركم لتتذكّروا، ونتابع زجركم لتنزجروا.
ولمّا كان سبحانه يستحيل أن يصف نفسه بإعراض الصفحة، كان الكلام محمولا على وصف الذّكر بذلك، على طريق الاستعارة.
وفي قوله سبحانه: وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) استعارة. وقد مضى مثلها في ما تقدم، إلا أن هاهنا إبدال لفظة مكان لفظة. لأن ما مضى من نظائر هذه الاستعارة، إنما يرد بلفظ إحياء الأرض بعد موتها. وورد ذلك هاهنا، بلفظ الإنشار بعد الموت وهو أبلغ. لأن الإنشار صفة تختصّ بها الإعادة بعد الموت، والإحياء قد يشترك فيه ما يعاد من الحيوان بعد موته، وما يعاد من النبات والأشجار بعد تلبّده وجفوفه. يقال: قد أحيا الله الشجر.
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.