وفّوا أجورها في دنياهم ثم ذكر أن من كان على بيّنة من ربّه- وهو القرآن- ويتلوه شاهد منه- وهو الإنجيل- ومن قبله كتاب موسى- وهو التوراة- لا يمكن أن يكون جزاؤه كغيره، أولئك يؤمنون به، ومن يكفر به فالنار موعده ثم نهى النبي (ص) على سبيل التعريض أن يكون في مرية منه: إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧) ثم ذكر أنه لا يوجد أظلم ممّن افترى عليه كذبا بشركهم، وأنهم يعرضون عليه، ويقول الأشهاد من الملائكة الذين كانوا يراقبونهم في دنياهم: هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) ثم يذكرون أنهم كانوا يصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون، وأنهم لم يكونوا معجزين في الأرض، وما كان لهم من دون الله من أولياء يمنعون عنهم، ولكنه أراد إمهالهم ليضاعف العذاب لهم، وأنهم ما كانوا يستطيعون سماع القرآن، وما كانوا يبصرون هديه، وأنهم خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون، وأنهم في الآخرة هم الأخسرون ثم أتبع هذا بوعد المؤمنين بأنهم أصحاب الجنة هم فيها خالدون، وضرب مثلا للفريقين فقال سبحانه: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤) .
تثبيت النبي بالقصص على تكذيبهم الآيات [٢٥- ٩٩]
ثم قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) فذكر سبحانه أنه أرسل نوحا الى قومه لينذرهم قبل أن يأخذهم بعقابه.
فأمرهم ألا يعبدوا إلا الله لأنه يخاف عليهم عذاب يوم أليم، فأجابه الذين كفروا من قومه بأنهم لا يرونه إلا بشرا مثلهم، ولا يرونه اتّبعه إلا أراذلهم بادي الرأي، ولا يرون لهم عليهم من فضل. بل يظنونهم كاذبين في دعواهم، ثم ذكر أنه أجابهم بأنه على بيّنة من ربّه وقد أتاه رحمة من عنده، فإذا كان هذا قد عمّي عليهم فلا يلزمهم أن يؤمنوا به وهم له كارهون.
وقد فصّل في قصته هنا ما فصل، وذكر فيها ما لم يذكره في قصة يونس من الأخبار والحكم والمواعظ إلى أن ختمها ببيان ما كان من عقابه لمن