إن قيل: لم قال تعالى: إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) و «الصادق» وصف القائل لا وصف الوعد؟
قلنا: قيل «صادق» بمعنى «مصدوق» كقوله تعالى: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١)[الحاقة] وقوله: ماءٍ دافِقٍ (٦)[الطارق] وقيل معناه «لصدق» ، فإن المصدر قد جاء على وزن اسم الفاعل كقولهم:
قمت قائما، وقولهم: لحقت بهم اللائمة: أي اللوم.
فإن قيل: لم قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) والمتقون لا يكونون في الجنة في العيون؟
قلنا: معناه أنهم في الجنات، والعيون الكثيرة محدّقة بهم من كل ناحية، وهم في مجموعها لا في كل عين. ونظيره قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤)[القمر] لأنه بمعنى أنهار، إلا أنه- والله أعلم- عدل عنها رعاية للفواصل.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧) ، أي في قرى قوم لوط (ع) ، وقرى قوم لوط ليست موجودة، فكيف توجد فيها العلامة؟
قلنا: الضمير في قوله تعالى فِيها عائد إلى تلك الناحية والبقعة لا إلى مدائن قوم لوط. الثاني: عائد إليها، ولكن «في» بمعنى «من» كما في قوله تعالى: وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً [النحل: ٨٤] ، وقوله تعالى: وَارْزُقُوهُمْ فِيها [النساء: ٥] . ويؤيد هذا الوجه
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئله القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، ومكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.