ذلك بالمغفرة والأجر، وأوعد الكفار بأنهم من أصحاب الجحيم، ثم أمرهم أن يذكروا نعمته عليهم إذ كانوا في مكة مغلوبين للمشركين، فكف أيديهم عنهم وجعلهم يرضون بصلحهم لشعورهم بقوتهم، ثم أمرهم أن يتقوه في ذلك ويتوكلوا عليه وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) .
الاعتبار بناقضي العقود من الأولين [الآيات ١٢- ٤٠]
ثم قال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ [الآية ١٢] ، فذكر أنه أخذ الميثاق عليهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيمان برسله الذين يبعثهم إليهم. فلما نقضوا ذلك الميثاق، أوقع عليهم لعنته في الأرض، فأذلهم وجعل قلوبهم قاسية لا تبالي بشيء، فحرفوا كتبهم ونسوا بعض ما أنزل إليهم، ولا يزال أثر تلك الخيانة فيهم بما فعلوه في عقودهم مع النبي (ص) .
ثم ذكر أنه أخذ على النصارى مثل ذلك العهد فلم يفوا به أيضا، فأوقع بينهم العداوة والبغضاء باختلافهم في دينهم، بعد نسيانهم بعض ما أنزل إليهم.
ثم ذكر أنه أرسل النبي (ص) إلى الفريقين ليبين لهم ما أخفوه من كتبهم، وأنزل عليهم كتابا يخرجهم من الظلمات إلى النور في أمر دينهم، ثم أظهر ما وقع فيه كل منهما بنقض عهودهم، من قول النصارى: إن الله هو المسيح بن مريم، مع أنه إن أراد أن يهلكه وأمه ومن في الأرض جميعا لم يملك أحد منه شيئا، ومن قول اليهود: نحن أبناء الله وأحباؤه، مع أنه يعذبهم بذنوبهم، ولا فرق عنده بينهم وبين غيرهم، ثم ذكر أنه أرسل إليهم النبي (ص) بعد انقطاع الرسل عنهم، ليبين لهم ما أحدثوه بعدهم، ويقطع بذلك العذر عنهم.
ثم ذكر ما كان من موسى (ع) حينما أمر قومه أن يذكروا نعمته عليهم، وأن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتبها لهم، ليقوموا بما عاهدوا الله عليه من محاربة أهلها، فأبوا أن يحاربوهم خوفا منهم، ثم ذكر عقابه لهم على ذلك بتحريمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض.