إن قيل: لم قال تعالى: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ [الآية ٤] والأعناق لا تخضع؟
قلنا: قيل أصل الكلام: فظلوا لها خاضعين، فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخضوع وترك الكلام على أصله، كقولهم ذهبت أهل اليمامة، كأنّ كلمة أهل غير مذكورة. ومثله قول الشاعر:
رأت مرّ السّنين أخذن منّي كما أخذ السّرار من الهلال أو لمّا وصفت الأعناق بالخضوع، الذي هو من صفات العقلاء، جمعت جمع العقلاء كقوله تعالى: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ [يوسف: ٤] . وقيل: الأعناق رؤساء الناس ومقدّموهم، شبهوا بالأعناق، كما قيل لهم الرؤوس والنواصي والوجوه، وقيل: الأعناق الجماعات يقال:
جاءني عنق من الناس أي جماعة، وقيل إن ذلك لمراعاة الفواصل.
فإن قيل: لم قال تعالى: قُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
[الآية ١٦] بالإفراد، وقال تعالى في موضع آخر: إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ [طه: ٤٧] بالتثنية؟
قلنا: الرسول يكون بمعنى المرسل فيلزم تثنيته، ويكون بمعنى الرسالة التي هي مصدر فيوصف به الواحد والاثنان والجماعة كما يوصف بسائر المصادر، والدليل على أنه يكون بمعنى الرسالة قول الشاعر:
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.