لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسرّ ولا أرسلتهم برسول أي برسالة. الثاني: أنهما، لاتّفاقهما في الأخوّة والشريعة والرسالة، جعلا كنفس واحدة. الثالث: أن تقديره: أن كل واحد منا رسول رب العالمين.
الرابع: أن موسى (ع) كان الأصل، وهارون (ع) كان تبعا له، فأفرد إشارة إلى ذلك.
فإن قيل: لم قال موسى (ع) ، كما ورد في التنزيل، معتذرا عن قتل القبطي: فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) والنبيّ لا يكون ضالا؟
قلنا: أراد به وأنا من الجاهلين.
وقيل أراد من المخطئين، لأنه ما تعمد قتله. كما يقال: ضلّ عن الطريق إذا عدل عن الصواب إلى الخطأ. وقيل من الناسين، كقوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى [البقرة: ٢٨٢] .
فإن قيل: لم قال فرعون، كما ورد في التنزيل: وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) ، ولم يقل ومن رب العالمين؟
قلنا: هو كان أعمى القلب عن معرفة الله سبحانه وتعالى، منكرا لوجوده فكيف ينكر عليه العدول عن «من» إلى «ما» . الثاني أن «ما» لا تختص بغير العاقل بل تطلق على العاقل وسواه، قال الله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ [النساء: ٣] .
وقال الله تعالى: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ [الكافرون: ٣ و ٥] .
فإن قيل: لم قال موسى (ع) كما ورد في التنزيل: قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) ، علق كونه تعالى رب السماوات والأرض وما بينهما، بشرط كون فرعون وقومه موقنين، وهذا الشرط منتف، والربوبية ثابتة فكيف صح التعليق؟
قلنا: معناه الأول إن كنتم موقنين أن السماوات والأرض وما بينهما موجودات، وهذا الشرط موجود.
الثاني: أن «إن» نافية لا شرطية.
فإن قيل: إنّ ذكر السماوات والأرض وما بينهما قد استوعب ذكر المخلوقات كلها، فما الحكمة في قوله تعالى بعد ذلك: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) وقوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [الآية ٢٨] ؟