مع أنه قد أمرهم أن يعبدوا الله ربه وربهم، وقال بعضهم إن الله ثالث ثلاثة، مع أنه ما من إله إلا إله واحد، ثم رد عليهم جميعا بأن المسيح لم يكن إلا رسولا، وبأن أمه لم تكن إلا صدّيقة، وكانا يأكلان الطعام كما يأكل سائر البشر، ثم وبخهم على أن يعبدوا من دونه ما لا يملك لهم ضرا ولا نفعا، ونهاهم أن يغلوا في أمر المسيح، وأن يتّبعوا في ذلك من ضل قبلهم فقال بالتثليث ونحوه مما يقولون به.
ثم ذكر أنه لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم، وأن كثيرا منهم كانوا لا يتناهون عن المنكر فيما بينهم، وأن كثيرا منهم يتولون المشركين على المؤمنين، ولو كانوا يؤمنون بالله ونبيهم موسى عليه السلام ما اتخذوهم أولياء، ثم ذكر أن اليهود والمشركين الذين يوالي بعضهم بعضا أشد الناس عداوة للمؤمنين، وأن النصارى أقرب منهم مودة لهم، لأن منهم قسيسين ورهبانا قد أقبلوا على العبادة ولم يحرصوا على الدنيا حرص اليهود والمشركين، ومنهم من إذا سمعوا ما أنزل على النبي (ص) تفيض أعينهم من الدمع، ويؤمنون بأنه النبي الذي بشّروا به في التوراة والإنجيل، فكان جزاؤهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦) .
عود إلى ما سبق من الأحكام [الآيات ٨٧- ١٠٨]
ثم قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) فنهاهم أن يحرموا شيئا من الطيبات التي أحلها لهم فيما سبق، وأمرهم أن يأكلوا مما رزقهم حلالا طيبا، ثم ذكر لهم أنه لا يؤاخذهم باللغو في أيمانهم، ولكن يؤاخذهم بما قصدوه منها، وبين لهم كفارته، ثم حرم عليهم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وذكر أن الشيطان يريد أن يوقع بينهم العداوة في الخمر والميسر، ثم ذكر أنه لا حرج عليهم فيما طعموا إذا ما اتقوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ثم ذكر أنه سيبلوهم في حال الإحرام بشيء من الصيد تناله أيديهم ورماحهم، وأعاد ذكر تحريمه ليبين حكم من يقتله