للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن كانت قوة الله عليه فلا أمن له ولا طمأنينة، ولو ساندته القوى جميعا.

ويقوم كيان سورة القصص على قصّة موسى (ع) وفرعون وتعرض السورة، من خلال هذه القصة، قوّة فرعون الطاغية المتجبّر اليقظ الحذر، وفي مواجهتها موسى طفلا رضيعا، لا حول له ولا قوّة، ولا ملجأ له ولا وقاية.

وقد علا فرعون في الأرض، واتّخذ أهلها شيعا، واستضعف بني إسرائيل، يذبّح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، وهو على حذر منهم، قابض على أعناقهم.

لكنّ قوة فرعون وجبروته وحذره ويقظته، لا تغني عنه شيئا، بل لا تمكّن له من موسى الطفل الصغير المجرّد من كلّ قوّة وحيلة. وهو في حراسة القوّة الحقيقية الوحيدة، ترعاه عين العناية، وتدفع عنه السوء، وتعمي عنه العيون، وتتحدى به فرعون وجنده، تحدّيا سافرا، فتدفع به إلى حجره، وتدخل به عليه عرينه، بل تقتحم به عليه قلب امرأته، وهو مكتوف اليدين إزاءه، مكفوف الأذى عنه، يصنع بنفسه لنفسه ما يحذره ويخشاه.

لقد طمعت آسية (ع) ، أن يكون موسى (ع) وليدا لها، تتبنّاه مع زوجها فرعون، فقالت لفرعون كما ورد في التنزيل:

قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩) .

وهكذا دبّر الله، سبحانه، أن يتربّى موسى (ع) في بيت فرعون، وأن يؤتى الحذر من مكمنه ولمّا حرّم الله تعالى المراضع على موسى، جاءت أمه كمرضع له، وأرضعته في بيت فرعون، وصار فرعون يجري عليها كلّ يوم دينارا من الذهب، وفي الحديث يقول النبي (ص) : «مثل المؤمن كأمّ موسى ترضع ولدها، وتأخذ أجرتها» «١» .

موسى في سنّ الرجولة

بلغ موسى (ع) أشدّه، واستكمل نيّفا


(١) . أي: المؤمن يعبد الله، فيستفيد من العبادة نظافة القلب، وثقة النفس، وثبات اليقين، وهدوء البال، وصحة الجسم والروح. ثم ينال ثواب العبادة، في جنّة عرضها السماوات والأرض، يوم القيامة. وبذلك ينال أجره مضاعفا: مرّة في الدنيا، ومرّة في الاخرة.