بأن يرسل إليهم جنودا لا قبل لهم بها، فلم تجد الملكة مفرّا من أن تذعن له، وتسافر إلى مقرّ ملكه فجمع قومه وأخبرهم بأنه يريد أن يحصل على عرشها قبل حضورها، فأخبره عفريت من الجن بأنه يستطيع أن يأتيه به قبل أن يقوم من مجلسه، وأخبره عالم من علماء قومه بأنه يستطيع أن يأتيه به قبل أن يرتدّ إليه طرفه، فشكر الله أن جعل في ملكه من يستطيع إحضار ذلك العرش في هذا الزمن، وقد أمرهم أن يغيّروا شيئا من شكله ليعرضه عليها، وينظر: أتعرف أنه عرشها أم لا تعرفه، ليختبر بذلك عقلها فلما جاءت عرض عليها وقيل لها: أهكذا عرشك؟ قالت كأنه هو، وذكرت أنها آمنت بالله وبقدرته من قبل هذه الآية ثم إنّ سليمان أمرها أن تدخل الصّرح، وكان قصرا من زجاج تحته ماء فلما رأته حسبته لجّة وكشفت عن ساقيها، فأخبرها بأنه صرح ممرّد من قوارير، فعجبت من ذلك، وآمنت بقدرة الله الذي أعطاه هذا الملك: الَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
(٤٤) .
ثم انتقل السّياق إلى قصة صالح وقومه ثمود، وقصة لوط وقومه، وهما هنا يخالفان ما سبق منهما في سياقهما وأسلوبهما، وفي ذكر بعض زيادات لم تسبق فيهما.
التنويه بهذه القصص وأصحابها الآيات [٥٩- ٩٣]
ثم قال تعالى: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) فأمر الله سبحانه، رسوله الأكرم (ص) أن يحمد الله على ما تلاه عليه من هذه القصص، وأن يسلم على من اصطفاه من أصحابها، وأن يسأل أولئك الذين لا يؤمنون بتنزيلها: آلله الذي ينزلها خير، أم آلهتهم التي لا تقدر على إنزال شيء منها؟ وقد ذكرت موازنات أخرى بعد هذه الموازنة، إلى أن أمروا، أمر تعجيز، بأن يأتوا ببرهان على أنها آلهة إن كانوا صادقين في زعمهم وذكر السياق أنه لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله، جلّ جلاله، ومن عداه من آلهتهم وغير هم لا يشعرون أيّان يبعثون. ومع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة، ولكنهم شاكّون جاهلون، ومن أسباب ذلك فيهم أنهم يستبعدون أن يبعثوا بعد