للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «الحجر» «١»

إن قيل: لم قالوا كما ورد في التنزيل: وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) .

اعترفوا بنبوّته، إذ الذكر هو القرآن الذي نزل عليه، ثم وصفوه بالجنون؟

قلنا: إنما قالوا ذلك استهزاء وسخرية لا تصديقا واعترافا، كما روى القرآن الكريم أيضا، حكاية على لسان فرعون لقومه: قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) [الشعراء] ، وكما روى القرآن الكريم حكاية على لسان قوم شعيب (ع) : إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) [هود] ونظائره كثيرة.

الثاني: أن فيه إضمارا تقديره: يا أيها الذي تدّعي أنك نزل عليك الذكر.

فإن قيل: لم قال تعالى: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) والوارث هو الذي يتجدّد له الملك بعد فناء المورث، والله تعالى إذا مات الخلائق لم يتجدد له ملك، لأنه لم يزل مالكا للعالم بجميع ما فيه ومن فيه؟

قلنا: الوارث في اللغة عبارة عن الباقي بعد فناء غيره، سواء أتجدد له من بعده ملك أو لا، ولهذا يصحّ أن يقال لمن أخبر أن زيدا مات وترك ورثة: هل ترك لهم مالا أو لا؟ فيكون معنى الآية: ونحن الباقون بعد فناء الخلائق. الثاني أن الخلائق لمّا كانوا يعتقدون أنهم مالكون يسمون بذلك أيضا، إما مجازا أو خلافة عن الله تعالى، كالعبد المأذون المكاتب،


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.