فطلبوا ذلك ولم يطلبوا حطّ الخطايا عنهم، ثم ذكر أيضا قصة الذين اعتدوا منهم في السبت، وأنهم أصرّوا على اعتدائهم ولم يسمعوا للذين وعظوهم، فأخذهم بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون، وجعلهم في طباع القردة والخنازير من الشره والطمع، وبعث عليهم من يسومهم الذّل والصّغار إلى يوم القيامة، وبدّد شملهم في الأرض طوائف محكومة لأهلها، منهم الصالحون وهم الذين لم يصيروا في طباع القردة والخنازير، ومنهم دون ذلك وهم الذين صاروا في طباعها، وانحرفوا عمّا جاءت به التوراة من الأخلاق الفاضلة ثمّ ذكر أنه بلاهم بالحسنات والسّيئات لعلهم يرجعون إلى فضائل دينهم، فخلف من بعدهم خلف انحرفوا عنه أكثر منهم، يأخذون الرّشا على تحريف التوراة، ويزعمون أنه سيغفر ذلك لهم، مع أنهم يصرّون عليه ولا يقلعون عنه وقد أخذ عليهم عهد التوراة أن يحافظوا عليها ولا يحرّفوها، وهم يدرسون ذلك فيها ويعرفونه والدار الاخرة خير من تلك الرشوة التي يأخذونها على التحريف والذين يتمسّكون بالتوراة ولا يحرّفونها لا يضيع أجرهم فيها، ثمّ ذكر أنه أخذ هذا العهد عليهم حين رفع الجبل فوقهم، وأمرهم أن يأخذوا التوراة بقوّة ويحافظوا عليها، ثمّ ذكر أنه أخذ على بني آدم جميعا عهده يوم خلقهم، أن يعترفوا بأنه ربّهم ويطيعوه، وأنّهم شهدوا على أنفسهم يوم أخذه عليهم لئلّا يدّعوا يوم القيامة أنهم غفلوا عنه، أو أنهم أشركوا كما أشرك آباؤهم تقليدا لهم، فلا يصح أن يؤخذوا بما فعلوه قبلهم وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٧٤) .
قصة عالم لم يعمل بعلمه الآيات [١٧٥- ١٧٧]
ثم قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥) فذكر نبأ عالم أتاه علم كتبه فلم يعمل به، فتولّاه الشيطان حتّى أضلّه وصار مثله كمثل الكلب في خسّته وذلّته. ثمّ ذكر أن هذا مثل الذين كذّبوا بآياته وأمر النبي (ص) أن يقصّ عليهم ذلك المثل لعلهم يتفكرون ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧) .