وقد يتساءل الإنسان عن عمل الخضر عليه السلام، وهل هو مشروع على الإطلاق، وهل يجوز لمن علم، في حادثة مّا، مثل ما علمه العبد الصالح من حقيقة الأمر فيها، أن يخالف الظاهر؟
وقد اهتمّ بعض المفسّرين بترديد أمثال هذه الأسئلة والمناقشات والإجابة عنها، وتخريج ما يحتاج منها إلى تخريج كأن الأمر أحكام تشريعية أو بيان لموضوعات خلافية. والواقع أنه لم يقصد بهذه القصة إلا الإقناع بأن الإنسان، مهما اتّسع عقله، وسمت مداركه، وعلا منصبه، محدود في علمه، وأن كثيرا من الأمور يخفى عليه، وأن لله عبادا قد يخصّهم بنوع من العلم لا يبذله للناس جميعهم، ولا يستقيم حال الدنيا على بذله للناس جميعهم.
[قصة ذي القرنين]
تلك قصة عبد مكّن الله له في الأرض، وسخّر له العلم والقوة والآلات والمواصلات، وآتاه من كل شيء سببا. وقد استغلّ هذه الإمكانات في عمل مثمر نافع يعمّ، ويبقى أثره. وقد تحرّك ذو القرنين إلى المغرب غازيا فاتحا، محاربا مجاهدا، وسار النصر في ركابه حتى انتهى إلى عين اختلط ماؤها وطينها فتراءى له أن الشمس تغرب فيها وتختفي وراءها وظن أن ليس وراء هذه العين مكان للغزو، ولا سبيل للجهاد، ولكنه رأى عندها قوما هاله كفرهم، وكبر عليه ظلمهم وفسادهم، فخيّره الله بين قتالهم أو إمهالهم ودعوتهم للعدل والإيمان، فاختار إمهالهم وقام فيهم مدة ضرب فيها على يد الظالم، ونصر المظلوم، وأخذ بيد الضعيف، وأقام صرح العدل، ونشر لواء الإصلاح. وقد وضع لهم دستور الحكم العادل قال تعالى:
وقد عاد ذو القرنين إلى الشرق فسار غازيا مجاهدا حتى انتهى إلى غاية العمران في الأرض، وهناك وجد أقواما تطلع الشمس عليها، ولكن ليس لهم بيوت تسترهم، أو أشجار تظلّهم.