فإن قيل: ما الحكمة في دخول «من» في غض البصر، دون حفظ الفرج في قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [الآية ٣٠] ؟
قلنا: الحكمة فيه الدلالة على أن أمر النظر أوسع من أمر الفرج، ولهذا يحل النظر في ذوات المحارم، والإماء المستعرضات، إلى عدّة من أعضائهن، ولا يحل شيء من فروجهن.
فإن قيل: ما حكمة ترك الله تعالى ذكر الأعمام والأخوال في قوله سبحانه وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [الآية ٣١] يعني الزينة الخفيّة إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [الآية ٣١] ، وهم من المحارم، وحكمهم حكم من استثني في الآية؟
قلنا: سئل الشعبي عن ذلك فقال:
لئلا يصفها العمّ لابنه، وهو ليس بمحرم لها، وكذا الخال فيفضي إلى الفتنة والمعنى فيه أنّ كلّ من استثني يشترك، هو وابنه في المحرمية، إلا العم والخال، وهذا من الدّلالة البليغة على وجوب الاحتياط في سترهن.
ولقائل أن يقول: هذه المفسدة محتملة في آباء بعولتهن، لاحتمال أن يذكرها أبو البعل عند ابنه الاخر، وهو ليس بمحرم لها وأبو البعل أيضا نقض على قولهم: إن كل من استثني يشترك هو وابنه في المحرمية.
فإن قيل: لم قال تعالى وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً [الآية ٣٣] مع أن إكراههن على الزنا حرام في كل حال؟
قلنا: لأن سبب نزول الآية، أنهم في الجاهلية كانوا يكرهون إماءهم على الزنا، مع إرادتهن التحصّن، فورد النهي على السبب، وإن لم يكن شرطا فيه. الثاني أنه تعالى إنما شرط إرادة التحصّن، لأنّ الإكراه لا يتصوّر إلا عند إرادة التحصّن، لأنّ الأمة، إذا لم ترد التحصّن، فإنها تزني بالطبع، لأن رغبتها في الجماع مستمرة في جميع الأحوال طبعا، ولا بدّ له من أحد الطريقين. الثالث أن «إن» ، بمعنى «إذ» ، كما في قوله تعالى: وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٧٨)[البقرة] وقوله تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٤٩)[آل عمران] . الرابع:
أن في الكلام تقديما وتأخيرا تقديره:
وأنكحوا الأيامى منكم، الصالحين من عبادكم وإمائكم، إن أردن تحصّنا،