فأقسم بذلك أنهم سيعاقبون على كفرهم في الدنيا والاخرة، ولكنّهم في غفلة عن هذا وشقاق، وكم أهلك من قبلهم من الكفّار، فنادوا ولات حين مناص ثم ذكر سبحانه أنهم تعجبوا من أن ينذرهم بذلك واحد منهم، ومن أن يدعو إلى التوحيد وإبطال الالهة، وهذا يخالف الملّة الاخرة (النصرانية) الّتي تجعل الالهة ثلاثة ثم ذكر إنكارهم أن يختص بذلك دونهم وهو لا يمتاز بشيء عليهم ورد عليهم بأن ذلك يرجع إلى اختياره بمقتضى رحمته، ولا شريك له فيما يملكه من أمر سماواته وأرضه، فإن ادّعوا لهم ملكا في ذلك فليرتقوا في الأسباب: جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١) .
ثم ذكر جلّ وعلا أنه قد كذّب قبلهم من كان أقوى منهم من قوم نوح وعاد وفرعون فعاقبهم وأهلكهم، وسيكون مصيرهم مثلهم. ثم ذكر أنهم طلبوا تعجيل هذا العذاب استهزاء، وأمر النبي (ص) أن يصبر على استهزائهم، ويذكر ما كان من أمر الرسل قبله ليعتبر بما كان منهم وقد ذكر له في ذلك أخبار داود وسليمان وأيّوب وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل واليسع وذي الكفل (عليهم السلام) ، وفصّل في بعضهم ما فصّله من أخبارهم، وأجمل في بعضهم ما أجمله من أمرهم، ليحمله على ما أمره به من الصبر على قومه. ثم لفت إلى أمر آخر يحمله أيضا على الصبر عليهم، وهو ما أعدّه سبحانه للمتقين والطاغين من حسن المآب للأولين وشرّه للاخرين، وقد فصّل فيهما ما فصل من أحوالهما، وذكر في الثاني ما يكون من التخاصم بين أهل النار وخزنتها، ثم ختم ذلك كله بتأكيد ما بدأ به من الإنذار، فقال جلّ وعلا: قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥) فإذا أراد إهلاكهم لم يمنعه غيره من آلهتهم ثم ذكر السياق على لسان الرسول أن ما ينذرهم به نبأ عظيم لا كذب فيه، وأيّد ذلك بأن ما ذكره من ذلك التخاصم بين أهل النار وخزنتهم، لم يكن للرسول به علم إذ يختصمون: إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠) .