أنّه لا يصح أن يعرض عن إنذارهم لإسرافهم في شركهم، وأنه كم أرسل من نبي في الأولين، وأنهم كانوا أشدّ منهم بطشا، فلمّا استهزءوا بالرسل أهلكهم وجعلهم مثلا لمن بعدهم ثم انتقل السياق من ذلك الى إثبات ما ذكره من إسرافهم وعنادهم، فذكر سبحانه أنهم لو سئلوا: من خلق السماوات والأرض لقالوا: خلقهنّ العزيز العليم وذكر بعد هذا بعض ما أنعم به عليهم، ليعرفوا فضله، وينزّهوه عمّا لا يليق به، ويعتقدوا أنهم لا بد من رجوعهم إليه وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤) .
إبطال بنوة الملائكة الآيات [١٥- ٥٦]
ثم قال تعالى: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) فذكر، جلّ وعلا، أنهم، بدل شكره سبحانه، وتنزيهه عمّا لا يليق به، قالوا عن الملائكة إنهم بناته، مع أنهم لا يرضون البنات لأنفسهم، وإذا بشّر أحدهم بما يضربه لله مثلا من البنات ظلّ وجهه مسودا من الحزن والغم ثم ذكر أنهم لا دليل لهم على عبادتها إلّا قولهم: لو شاء الرحمن ما عبدناهم، وقولهم: إنّا وجدنا آباءنا يعبدونهم ونحن مقتدون بهم وردّ عليهم بأنّ من قبلهم من المشركين ذكر مثل هذا لرسلهم، فلم يفدهم شيئا وانتقم الله منهم فأهلكهم ثم أمر النبي (ص) أن يذكر لهم براءة إبراهيم (ع) ممّا يشركون، وهو الأب الأعلى لهم، والإمام الذي يجب أن يكون قدوتهم، وكان قومه يعبدون الكواكب وسكّانها من الملائكة، فتبرّأ من عبادتهم، وشرع دين التوحيد لذريّته، ليرجعوا إليه جيلا بعد جيل ثم ذكر تعالى أنه متّع العرب من ذرّيّته حين انصرفوا عن شرعه، الى تلك العبادة الباطلة، فأمهلهم وأمدّ لهم، إلى أن أرسل إليهم رسولا منهم، وأنزل عليه القرآن ليدعوهم الى عبادته، فاستخفّوا به لأنه لم يكن من ذوي الرياسة فيهم، وقالوا لولا نزّل هذا القرآن على رجل عظيم من مكة أو الطائف وردّ عليهم سبحانه بأن ذلك فضله ورحمته يقسمهما كما يريد، وهو الذي قسم بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا، واقتضت حكمته أن يكون فيهم الأغنياء والفقراء لتنتظم بهذا أمور