المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الأنبياء»«١»
قوله سبحانه: وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ [الآية ١١] وحقيقة القصم، كسر الشيء الصّلب. وجعل هاهنا مستعارا، للتعبير عن إهلاك الجبّارين من أهل القرى، أصلب ما كانوا عيدانا، وأمنع أركانا.
وقوله سبحانه: فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥) . وفي هذه الآية استعارتان: لأنّه سبحانه جعل القوم الذين أهلكهم بعذابه، بمنزلة النبات المحصود، الذي أنيم بعد قيامه، وأهمد بعد اشتطاطه واهتزازه.
والاستعارة الأخرى قوله تعالى:
خامِدِينَ (١٥) . والخمود من صفات النار، كما كان الحصيد من صفات النبات. فكأنه سبحانه، شبّه همود أجسامهم بعد حراكها، بخمود النار بعد اشتعالها. وقد يجوز أيضا، والله أعلم، أن يكون المراد تشبيههم بالنبات، الذي حصد، ثم أحرق.
فيكون ذلك أبلغ في صفتهم بالهلاك والبوار، وامّحاء المعالم والآثار، لاجتماع صفتي الحصد والإحراق.
وقال سبحانه: حَصِيداً خامِدِينَ (١٥) ، ولم يقل خامدا، كما قال تعالى:
فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤)[الشعراء] ولم يقل خاضعة. لأنّه، سبحانه، ردّ معنى خاضعين على أصحاب الأعناق. وكذلك يجوز ردّ معنى خامدين على القوم الذين
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.