للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) .

«إنّ دور البشر في أمر هذا الخلق لا يزيد على أن يودع الرجل ما يمني رحم امرأة، ثم ينقطع عمله وعملها، وتأخذ يد القدرة في العمل وحدها في هذا الماء المهين، تعمل وحدها في خلقه، وتنميته، وبناء هيكله، ونفخ الروح فيه، ومنذ اللحظة الأولى، وفي كل لحظة تالية، تتحقّق المعجزة، وتقع الخارقة التي لا يصنعها إلّا الله، والتي لا يدري البشر كنهها وطبيعتها، كما لا يعرفون كيف تقع، بله أن يشاركوا فيها» «١» .

[الزرع والماء والنار]

يتابع القرآن الكريم طرقاته على القلب البشري ليتأمّل، ويخاطب النفوس الإنسانية، ليرشدها الى مواطن القدرة فيما بين يديها.

فهذا الزرع الذي ينبت ويؤتي ثماره، ما دورهم فيه؟ إنهم يحرثون، ويلقون الحب والبذور التي صنعها الله.. ثم تسير الحبة في طريقها للنمو، سير العاقل، العارف الخبير بمراحل الطريق، الذي لا يخطئ ولا يضل.

إنّ يد القدرة هي التي تتولّى خطاها على طول الطريق، فإذا الحبة عود أخضر ناضر، وإذا النواة نخلة كاملة سامقة مثمرة.

ويتابع القرآن لمساته لاستثارة التفكير والتأمّل، فيناقش المخاطبين:

أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) .

أي أخبروني أيّها المنكرون الجاحدون عن الماء العذب الذي تشربونه، هل فكّرتم وتدبّرتم من الذي صعّده من البحار والمحيطات، وجعله بخارا، ثمّ سحابا متراكما، ثمّ صيّره ماء عذبا فراتا.

ولو شاء الله سبحانه لجعل ذلك الماء ملحا مرّا، لا يحيي الزرع ولا الضّرع، ولا يستساغ لمرارته، فهلا تشكرون ربّكم على إنزال المطر، عذبا زلالا سائغا، لشرابكم أنتم وأنعامكم وزرعكم.

ثم يذكّر هم بنعمة النار التي يوقدونها: من الذي أنبت شجرتها


(١) . في ظلال القرآن ٢٧: ١٣٩.