لقد كره اليهود الإسلام وتألّبوا عليه، فلمّا هاجر النبيّ (ص) الى المدينة شنّوا عليه حرب الدّسّ والمكر والكيد، وانضمّ المنافقون لليهود يقولون لهم سرا، كما ورد في التنزيل: سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) .
ثم يتهدّد القرآن المنافقين، بملائكة العذاب لأنهم تركوا طريق الإسلام، وانضمّوا إلى دسائس الحاقدين عليه.
وفي نهاية المقطع يتهدّدهم جلّ جلاله بكشف أمرهم لرسول الله (ص) وللمسلمين الذين يعيشون بينهم متخفّين قال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) .
٣- حديث عن المشركين والمؤمنين
المقطع الأخير من السورة يشمل الآيات [٣٢- ٣٨] ، ويبيّن في بدايته أنّ المشركين منعوا الناس من الإيمان بالله تعالى، وأعلنوا الشقاق والعداوة لرسول الله (ص) ، وهؤلاء لن يضرّوا الله بكفرهم، وسيحبط الله أعمالهم.
وتتجه الآيات الى المؤمنين فتأمرهم بطاعة الله وطاعة الرسول، وتأمرهم بالثبات على الحق حتى يأتي نصر الله.
وهذا التوجيه يوحي بأنّه كان في الجماعة المسلمة يومئذ من لا يظهر الطاعة الكاملة، أو من تثقل عليه بعض التكاليف، وتشقّ عليه بعض التضحيات التي يقتضيها جهاد هذه الطوائف القوية المختلفة التي تقف للإسلام، تناوشه من كل جانب، والتي تربطها بالمسلمين مصالح ووشائج قربى، يصعب فصمها والتخلي عنها نهائيّا، كما تقتضي العقيدة ذلك.
ولقد كان وقع هذا التوجيه عنيفا عميقا في نفوس المسلمين الصادقين، فارتعشت له قلوبهم، وخافوا أن يقع منهم ما يبطل أعمالهم ويذهب بحسناتهم.
وتستمر الآيات في خطاب المؤمنين، تدعوهم الى مواصلة الجهاد بالنفس والمال دونما تراخ أو دعوة الى مهادنة الكافر المعتدي الظالم، تحت