للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «يوسف» «١»

قوله تعالى: يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤) . وهذه استعارة، لأنّ الكواكب والشمس والقمر ممّا لا يعقل، فكان الوجه أن يقال. ساجدة.

ولكنها لما أطلق عليها فعل من يعقل، جاز أن توصف بصفة من يعقل، لأن السجود من فعل العقلاء. وهذا كقوله سبحانه: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) [النمل] ، فلما كانت النمل في هذا القول، مأمورة أمر من يعقل، جرى الخطاب عليها جريه على من يعقل. مثل ذلك قوله تعالى: وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا [فصّلت/ ٢١] ، لأنها لمّا شهدت عليهم شهادة العقلاء المخاطبين، أجروا- كما في هذا الخطاب- مجرى العقلاء المخاطبين.

ومن الشاهد على ذلك قول عبدة بن الطبيب:

إذ أشرف الدّيك يدعو بعض أسرته ... لدى الصّباح وهم قوم معازيل «٢»


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
(٢) . هذا البيت من قصائد «المفضّليات» للضّبيّ، والقصيدة كلها كاملة في ديوان المفضليات، بتحقيق الأستاذين أحمد محمد شاكر، وعبد السلام هارون- ص ١٣٣- ١٤٣ ج ١، وترجمة عبدة بن الطبيب في اللآلي، والأغاني، والإصابة، والشعر والشعراء لابن قتيبة، وهو صاحب البيت المشهور في الرثاء:
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدّما