للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما جعله بمنزلة الداعي جعل الديكة بمنزلة القوم المدعوّين، وجعلهم أسرة له وأسرة الرجل قومه ورهطه. والمعازيل الذين لا سلاح معهم. فكأنه جعله مستنصرا من لا نصرة له، ولا غناء عنده. وقريب من ذلك قوله تعالى: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤) [الشعراء] على أحد القولين. فكأنّ السياق، ردّ خاضعين إلى أصحاب الأعناق، لا إلى الأعناق، لأن الخضوع منهم يكون على الحقيقة.

وقد يجوز أيضا أن يكون قوله تعالى في ذكر الكواكب والشمس والقمر:

رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤) إنما حسن على تأويل تلك الرؤيا. وتأويلها يتناول من يعقل من إخوة يوسف وأبويه.

فجرى الوصف على تأويل الرؤيا، ومصير العقبى. وهذا موضع حسن، ولم يمض لي كما تقدم.

وقوله سبحانه: وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ [الآية ١٨] وهذه استعارة.

لأن الدم لا يوصف بالكذب على الحقيقة. والمراد بذلك- والله أعلم- بدم مكذوب فيه، والتقدير بدم ذي كذب.

وإنما يوصف الدم بالمصدر الذي هو (كذب) على طريق المبالغة. لأن الدعوى التي علقت بذلك الدم، كانت غاية في الكذب.

وقال بعضهم: قد يجوز أيضا أن يكون «كذب» هاهنا، صفة لقول محذوف يدلّ عليه الحال. فكأنّ التقدير: وجاءوا على قميصه بدم، وجاءوا بقول كذب، إذ كانت إشارتهم إلى آثار الدم في القميص، قد صحبها قول منهم يؤكد تلك الحال، وهو قولهم: إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ [الآية ١٧] . والقول الأول أصوب. ومن غرائب التفسير ما روي عن أبي عمرو بن العلاء «١» أنه قال: سمعت


(١) . أبو عمرو بن العلاء. واسمه زبّان بن عمار كان إماما في اللغة والأدب، وكان من أعلم الناس بالأدب والقرآن والشعر، وأعراب الجاهلية. توفي سنة ١٥٤ هـ. بالكوفة. وله ترجمة موجزة في «المزهر» للسيوطي. وانظر «الأعلام» للزّركلي.