تلك المجموعة التي سمعت رسول الله (ص) يقول لها عند البيعة. «أنتم اليوم خير أهل الأرض» .
تبدأ الآيات [١٨- ٢٩] بحديث من الله سبحانه وتعالى الى رسول الله (ص) عن هؤلاء الصّفوة الذين بايعوا تحت الشجرة، ثم بحديث مع هؤلاء الصفوة يبشّرهم بما أعدّ لهم من مغانم كثيرة وفتوح، وبما أحاطهم به من رعاية وحماية في هذه الرحلة وفيما سيتلوها، ويندد بأعدائهم الذين كفروا تنديدا شديدا، ويكشف لهم عن حكمته في اختيار الصلح والمهادنة في هذا العام، ويؤكد لهم صدق الرؤيا التي رآها رسول الله (ص) عن دخول المسجد الحرام، وأن المسلمين سيدخلونه آمنين لا يخافون، وأن دينه سيظهر على الدين كله في الأرض بأسرها.
[ظهور الإسلام]
لقد صدقت رؤيا رسول الله (ص) ، وتحقّق وعد الله للمسلمين بدخول المسجد الحرام آمنين، ثم كان الفتح في العام الذي يليه، وظهر دين الله في مكة، ثم ظهر في الجزيرة كلها بعد ذلك، ثم تحقق وعد الله وبشراه الأخيرة حيث يقول: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٢٨) .
فلقد ظهر دين الحق، لا في الجزيرة وحدها، بل ظهر في المعمور من الأرض كلها، قبل مضي نصف قرن من الزمان. ظهر في إمبراطورية كسرى كلها، وفي قسم كبير من إمبراطورية قيصر، وظهر في الهند وفي الصين، ثم في جنوب آسيا في الملايو وغيرها، وفي جزر الهند الشرقية (أندونيسيا) ... وكان هذا هو معظم المعمور من الأرض في القرن السادس ومنتصف القرن السابع الميلادي.
وما يزال دين الحق ظاهرا على الدين كله، حتى بعد انحساره السياسي عن جزء كبير من الأرض التي فتحها، وبخاصة في أوروبا وجزر البحر الأبيض، وانحسار قوة أهله في الأرض كلها بالقياس الى القوى التي ظهرت في الشرق والغرب في هذا الزمان.
أجل، ما يزال دين الحق ظاهرا على الدين كله من حيث هو دين، فهو الدين القوي بذاته، القوي بطبيعته،