أطلّقت يا رسول الله نساءك، فرفع رأسه إليّ وقال: لا، فقلت: الله أكبر، ولو رأيتنا يا رسول الله، وكنا معشر قريش قوما نغلب النساء، فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم، فغضبت علي امرأتي يوما، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني فقالت:
ما تنكر أن أراجعك؟ فو الله إن أزواج النبي (ص) ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل، فقلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر، أفتأمن إحداكنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله، فإذا هي قد هلكت؟ فتبسّم رسول الله (ص) ، فقلت يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنك أن كانت جارتك هي أوسم أو أحبّ إلى رسول الله (ص) منك، فتبسّم أخرى، فقلت: استأنس يا رسول الله؟ قال: نعم فجلست، فرفعت رأسي في البيت فو الله ما رأيت في البيت شيئا يردّ البصر إلّا هيبة مقامه، فقلت ادع الله يا رسول الله أن يوسّع على أمّتك فقد وسّع على فارس والروم، وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسا وقال: أفي شكّ أنت يا ابن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدنيا. فقلت استغفر لي يا رسول الله. وكان أقسم ألا يدخل عليهنّ شهرا، من شدّة موجدته عليهنّ.
لقد اصطفى الله سبحانه محمدا (ص) ليبلّغ الرسالة الأخيرة للناس، واختاره إنسانا تتمثّل فيه العقيدة الإسلامية بكلّ خصائصها، وتتجسّم فيه بكل حقيقتها «ويكون هو بذاته وبحياته الترجمة الصحيحة الكاملة لطبيعتها واتجاهها، إنسانا قد اكتملت طاقاته الإنسانية كلّها، ضليع التكوين الجسدي، قويّ البنية، سليم البناء، صحيح الحواسّ، يقظ الحس، يتذوّق المحسوسات تذوقا كاملا سليما، وهو في الوقت ذاته حيّ العاطفة والطبع، سليم الحساسية، يتذوق الجمال، منفتح للتلقّي، والاستجابة، وهو في الوقت ذاته كبير العقل، واسع الفكر، فسيح الأفق، قويّ الارادة، يملك نفسه ولا تملكه ثمّ هو، بعد ذلك كلّه، النبيّ الذي تشرق روحه بالنور الكلّيّ، والذي