إن قيل: لم قال الله تعالى: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) ولم يقل «من» مع أنه القياس؟
قلنا: فيه وجهان: أحدهما أنه إنما وردت «ما» ، رعاية للمقابلة في قوله تعالى: لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) الثاني: أن «ما» مصدرية: أي لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي. وقال الزمخشري: إنّما قال تعالى «ما» لأن المراد الصفة كأنّ المعنى: لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق، وقال غيره:
«ما» في الكل بمعنى الذي، والعائد محذوف.
فإن قيل: ما الحكمة في التكرار؟
قلنا: فيه وجهان: أحدهما أنه للتأكيد، وقطع أطماعهم فيما طلبوه منه. الثاني: أن الجملتين الأوليين لنفي العبادة في الحال والجملتين الأخريين لنفي العبادة في الاستقبال، فلا تكرار فيه. وهذا قول ثعلب والزّجّاج والخطاب، لجماعة علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون. وقال الزمخشري، مما يرد الوجه الثاني، وذلك أنه قال تعالى:
(لا أعبد) أريد به العبادة في المستقبل، لأن (لا) لا تدخل إلّا على مضارع في معنى الحال، فالجملتان الأوليان لنفي العبادة في المستقبل، والجملتان الأخريان لنفي العبادة في الماضي، فقوله تعالى: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) أي ما عهدتم من عبادة الأصنام في الجاهلية، فكيف يرجى مني بعد الإسلام، وقوله تعالى:
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.