وقد وصف الله المؤمنين في سورة الأنفال بخمس صفات هي: وجل القلوب عند ذكر الله، وزيادة الإيمان عند تلاوة آياته، والتوكل على الله وحده، وإقامة الصلاة، والإنفاق مما رزق الله. ثم بيّن أنهم بهذه الصفات يكونون أهل الإيمان حقا، ويكون لهم عند الله درجات عالية في الجنة.
فالمؤمن حقّا يراقب مولاه، ويرجو رحمته، ويخشى عقابه، ويخشع عند تذكّر آياته وهو في خشوعه وخضوعه وعبادته، مخلص القلب، ثابت اليقين.
ومن صفات المؤمن، زيادة إيمانه ورسوخ عقيدته عند تلاوة القرآن وتدبر آياته، ومعرفة أحكامه وأسراره كما أن إقامته للصلاة وأداءه للزكاة، تقتضيان هذا الإيمان سلوكا وتطبيقا، ممّا يزيّن الإيمان في القلب ويزيده ثقة ويقينا.
فالصلاة في حقيقتها، مناجاة، ومناداة، وخشوع، وخضوع، وقراءة، ودعاء. ومن ثمرتها، طهارة المؤمن من الفحشاء والمنكر، وتهذيب الغرائز، وتقويم السلوك، وتربية الضمير. والزكاة فيها تكافل المجتمع، وترابط الأغنياء والفقراء.
وفي سورة الأنفال، حثّ على الإنفاق من كل ما رزق الله، وهو يشمل، كما فصّل الفقهاء، زكاة الأموال، وزكاة الزروع والثمار، وزكاة الماشية، وزكاة الرّكاز وكل ما يستخرج من باطن الأرض، وزكاة التجارة. ولا نكاد نجد آية عرضت للصلاة، إلا وتذكر الإنفاق في سبيل الله. كما أنا لا نكاد نجد آية تعرضت لأوصاف المؤمنين، وتهملهما أو تهمل أحدهما.
فقد جعل الله إقامة الصلاة، مثالا لبذل النفس في سبيله، وجعل الإنفاق مثالا لبذل المال في سبيله.
وبذلك يتّسم الإيمان بطابع تهذيب النفس وطهارة القلب، كما يتّسم بأنه دافع عملي إلى السلوك النافع، والعمل الصالح الذي يؤدي إلى إصلاح المجتمع، وتماسك الأمة، وتقوية روابط المودة والرحمة والألفة بين الناس.
[نداءات إلهية للمؤمنين]
أخذت سورة الأنفال تنادي المؤمنين ست مرات بوصف الإيمان. في النداء الأول: تأمرهم بالثبات في الميدان، والشجاعة في القتال وتنهاهم عن الفرار من المعركة، وتتوعد الفارّ من