قال الله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) ، فذكر أنه نزّل القرآن ليكون نذيرا للناس كافة، ووصف نفسه بأربعة أنواع من صفات الكبرياء، ليدل على قدرته على تحقيق إنذاره، فذكر ملكه للسماوات والأرض، وتنزّهه عن الولد والشريك، وخلقه كلّ شيء وتقديره له. ثم شرع في ذكر ما أوردوه على ذلك من شبه، فذكر شبهتهم الأولى وهي قولهم كما ورد في التنزيل: إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ [الآية ٤] ، وردّ عليه بأنه ظلم وزور، لأنه تحدّاهم به فلم يمكنهم أن يأتوا بمثله، ولو كان من عنده لأمكنهم أن يأتوا به.
ثم ذكر شبهتهم الثانية وهي زعمهم بأنّه أساطير الأولين اكتتبها. ورد عليها بأن الذي أنزله هو الذي يعلم السر في السماوات والأرض، ومثله ينزل الحقائق لا الأساطير.
ثم ذكر شبهتهم الثالثة وهي زعمهم بأن من يرسل للإنذار لا يكون بشرا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وأنه كان يجب أن ينزل إليه ملك ينذر معه، أو يلقى إليه كنز، أو تكون له جنة يأكل منها ودعواه الرسالة، من غير ذلك، تدلّ على أنه رجل مسحور لا يصحّ اتّباعه، وردّ سبحانه، على هذا بأنه إن شاء جعل له في الاخرة جنّات وقصورا خيرا مما ذكروه من نعم الدنيا، ولكنهم يكذّبون بالساعة فلا يرجون ثوابا ولا عقابا ثم ذكر ما أعد لهم فيها من العذاب، وما وعد المتقين فيها من نعيم وثواب، وما يكون من تبرّؤ آلهتهم منهم فيها، وعاد السياق بعد هذا إلى الرد على هذه الشبهة بأن الله سبحانه، لم يرسل قبل هذا إلا رسلا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.
ثم ذكر شبهتهم الرابعة وهي زعمهم أنه كان يجب أن ينزل عليهم ملائكة تشهد بصدقه فيما ينذر به، أو يروا ربّهم فيخبرهم بأنه أرسله لإنذارهم.
ورد على هذا بأنه تعنّت ظاهر وعتوّ كبير، وبأن ما طلبوه من ذلك سيرونه يوم القيامة، ولكنهم يلقون منه ما يكرهون، ويلقى المؤمنون فيه ما يحبّون ثم ذكر ما يكون من ندمهم على كفرهم، ومن تمنّيهم أن لو كانوا اتّخذوا مع الرسول سبيلا، ولم يسمعوا