... وقوله سبحانه: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) . وهذه استعارة على أحد التأويلات الثلاثة، وهو أنه سبحانه يجعل في الأيدي التي بسطت إلى المحظورات، والأرجل التي سعت إلى المحرمات، علامة تقوم مقام النطق المصرّح، واللسان المفصح، في الشهادة على أصحابها، والاعتراف بذنوبها.
فأما شهادة الألسنة، فقد قيل إن المراد بها إقرارهم على نفوسهم بما واقعوه من المعاصي، إذ علموا أن الكذب لا ينفعهم، والجحود لا يغني عنهم. وليس ذلك بمناقض لقوله سبحانه:
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥)[يس] ، لأنّه قد قيل في ذلك: إنه جائز أن تخرج ألسنتهم من أفواههم، فتنطق بمجرّدها، من غير اتصال بجوزاتها ولهواتها. فيكون ذلك أعجب لها، وأبلغ في معنى شهادتها. ويختم في تلك الحال على أفواههم.
وقيل: يجوز أن يكون الختم على الأفواه، إنما هو في حال شهادة الأيدي والأرجل، بعد ما تقدّم من شهادة الألسن.
وأمّا التأويلان الآخران، في معنى شهادة الأيدي والأرجل، فالكلام
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.