«وكان كأنما يجمع هذه النباتات الصغيرة الجديدة في كنف الله، ليعلمهم الله، ويبصّرهم بحقيقة وجودهم وغايته، وليفتح أعينهم على ما يحيط بهم من عداوات ومكر وكيد، وليشعرهم أنّهم رجاله وحزبه، وأنه يريد بهم أمرا ويحقّق بهم قدرا، ومن ثمّ فهم يوسمون بسمته، ويحملون شارته، ويعرفون بهذه الشارة وتلك السمة بين الأقوام جميعا، في الدنيا والاخرة وإذن فليكونوا خالصين له، منقطعين لولايته، متجرّدين من كل وشيجة غير وشيجته في عالم الشعور وعالم السلوك» .
[تسلسل أفكار السورة]
سورة الممتحنة من أولها الى آخرها تنظم علاقة المسلمين بالمشركين، وتدعو إلى تقوية أواصر المودة بين المسلمين، وحفظ هذه الوشائج قوية متينة بين المؤمنين، وتبيّن أنّ عداوة الكافرين للمسلمين أصيلة قديمة، فقد أخرجهم كفّار مكّة من ديارهم وأهلهم وأموالهم [الآية ١] وإذا انتصر المشركون عليهم عاملوهم معاملة الأعداء، رجاء أن يعودوا بهم من الإيمان إلى الكفر، وحينئذ لا تنفعهم أرحامهم ولا أولادهم ولا تنجيهم من عقاب الله [الآيتان ١- ٣] .
ثم ترسم السورة قدوة حسنة بإبراهيم الخليل ومن معه من المؤمنين، حينما آمنوا بالله وأخلصوا له النية، وتجردوا من كل عاطفة نحو قومهم المشركين.
وأعلنوا براءتهم من الشرك وأهله، وقد استغفر إبراهيم لأبيه، فلما تأكّد لإبراهيم إصرار أبيه على الشرك تبرّأ منه.
ذلك ركب الإيمان، وطريق المؤمنين في تاريخ البشرية يتّسم بالتضحية والفداء، والاستعلاء على رغبات النفس في صلة الأقارب من المشركين فالمودّة لله وللمؤمنين [الآيات ٤- ٦] .
ولعل الله أن يهدي هؤلاء المشركين فيدخلوا في دين الله، وبذلك تتحوّل العداوة إلى مودّة، وقد فتحت مكّة بعد ذلك، وعاد الجميع إخوة متحابّين [الآية ٧] .
وقد أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق، فهو نبي الهدى والسلام والإسلام في طبيعته دين سلام، فاسمه مشتقّ من السلام والله، تقدّست