امتنّ الله سبحانه على عباده، بما خلق لهم في الأرض من ألوان المنافع. وبما أودعه فيها للبشر، من مختلف المعادن التي تقوم بها حياتهم، في بعض الجهات وفي بعض الأزمان، ولفتهم إلى هذه الذخائر المخبوءة في الأرض، المودعة للناس حتى يبلغوا رشدهم يوما بعد يوم، ويستخرجوا كنوزهم في حينها، ووقت الحاجة إليها، وكلما قيل: إن كنزا منها قد نفد، أعقبه كنز آخر أكثر غنى، من رزق الله المدّخر للعباد قال تعالى:
ثم امتنّ سبحانه على عباده بالبحر المالح، وما يشتمل عليه من صنوف النعم، «فمنها اللحم الطري من السمك وغيره للطعام، وإلى جواره الحلية من اللؤلؤ ومن المرجان، وغيرها من الأصداف والقواقع» .
ومنها مرور السفن تمخر عباب البحر، وتيسّر المصالح، وتبادل المنافع بين الناس، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤) .
وعند ما ينتهي استعراض النعم يبيّن القرآن، أنّ من يخلق ليس كمن لا يخلق، وأنّ نعم الله على الإنسان لا تعدّ ولا تحصى.
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [الآية ١٨] .
[وحدة الألوهية]
تتعرض الآيات [٢٢- ٥٠] لتقرير وحدة الألوهية فيقول سبحانه:
إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ [الآية ٢٢] .
وكل ما سبق في السورة، من آيات الخلق وآيات النعمة وآيات العلم، يؤدي الى هذه الحقيقة الكبيرة البارزة، وهي أن هذا الكون البديع المنظم، لا يحفظ نظامه إلا إله واحد، والذين لا يسلّمون بهذه الحقيقة، قلوبهم منكرة، فالجحود صفة كامنة فيها، والعلة أصيلة في نفوسهم المريضة، وطباعهم المعاندة المتكبرة، عن الإقرار والإذعان والتسليم.