قال الله تعالى: الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) فنهى تعالى المؤمنين، أن يظنوا أنهم يتركون من غير أن يفتنوا في دينهم وذكر سبحانه أن تلك سنّته في كلّ من آمن قبلهم، وأنه يفعل ذلك ليتبيّن الصادق في إيمانه من الكاذب فيه ثم هدّد الذين يفتنونهم، بأنهم لا يمكنهم أن يفلتوا من عقابه على فتنتهم وذكر، أنّ لذلك أجلا، يعلم من يرجو لقاءه أن لا يتخلّف عنه ثم ذكر عزّ وجل، أنّ من جاهد ما يلقاه في دينه من الفتنة بالصبر عليه، فإنّما يجاهد لنفسه، لأنّ الذين يعملون الصالحات يجازون عليها بأحسن منها ثمّ ذكر من الفتنة في الدّين ما كان يفعله الآباء من محاولة صرف أبنائهم عن دينهم، ووصّى الأبناء بطاعة الآباء، إلّا في محاولة ردّهم إلى الشرك ثمّ ذكر أنّ من الناس من يؤمن بلسانه ولا يصل الإيمان إلى قلبه، فإذا فتن في دينه لم يصبر على ما يصيبه فيه، واختار الاحتراز عمّا يوقعه في الأذى، فإذا جاء نصر الله ذكر للمؤمنين أنه كان معهم، والله أعلم منه بما كان يخفيه من نفاقه ثمّ ذكر من الفتنة في الدين، أنّ الكفّار كانوا يقولون لمن آمن منهم اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ [الآية ١٢] يريدون، بذلك، أنه لا خطيئة في رجوعهم إلى الكفر، وأنّه لا معاد يحاسبون فيه على ذلك وقد أجابهم سبحانه، بإثبات أن هناك معادا يحملون فيه خطاياهم، وخطايا من حملوهم على الكفر، ويسألون فيه عمّا يفترون، من إنكار المعاد والحساب.
ثمّ انتقل جلّ وعلا إلى ذكر من فتنوا قبلهم من المؤمنين، فصبروا، فنصرهم الله على من فتنوهم فذكر أنه أرسل نوحا (ع) إلى قومه، فلبث فيهم ألف سنة إلّا خمسين عاما، ثمّ أخذهم بالطوفان، ونجّاه ومن آمن به وأنّ إبراهيم (ع) ، أمر قومه أن يعبدوا الله ويتّقوه، وبيّن لهم فساد ما يعبدونه من الأوثان، إلى غير هذا ممّا ذكره في دعوتهم ثم ذكر سبحانه أنّ جوابهم له، كان أن أمروا بقتله أو تحريقه، فنجّاه الله من النار التي ألقوه فيها، وكان في ذلك دلالة على قدرته تعالى