إن قيل: ما الحكمة في زيادة ذكر لك وعنك، والكلام تامّ بدونهما؟
قلنا: فائدته الإبهام ثمّ الإيضاح، وهو نوع من أنواع البلاغة، فلمّا قال تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) فهم أنّ ثمّ مشروحا له، ثم قال:
صَدْرَكَ (١) فأوضح ما علم مبهما بلفظ لك، وكذا الكلام في: وَوَضَعْنا عَنْكَ.
فإن قيل: قال تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) وكلمة مع للمصاحبة والقران، فما معنى اقتران العسر واليسر؟
قلنا: سبب نزول هذه الآية أنّ المشركين عيّروا رسول الله (ص) وأصحابه (رض) بالفقر والضائقة التي كانوا فيها، فوعدهم الله تعالى يسرا قريبا من زمان عسرهم، وأراد تأكيد الوعد لتسليتهم وتقوية قلوبهم، فجعل اليسر الموعود كالمقارن للعسر في سرعة مجيئه.
فإن قيل: ما معنى قول ابن عمر وابن عباس (رض) وابن مسعود (رض) : لن يغلب عسر يسرين، ويروى ذلك عن النبي (ص) أيضا؟
قلنا: هذا عمل على الظاهر وبناء على قوّة الرجاء، وإنّ وعد الله لا يحمل إلا على أحسن ما يحتمله اللفظ وأكمله وأما حقيقة القول فيه فهو أنه يحتمل أن تكون الجملة الثانية تأكيدا
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.