فأقسم بهذين الحرفين على أن محمّدا (ص) من المرسلين، ثم ذكر الحاجة الى رسالته، وهي إنذار العرب الّذين لم ينذر آباؤهم من قبل، فوقعوا فيما وقعوا فيه من الغفلة، وحقّ العذاب على أكثرهم بسببها وقد جرت سنّة الله تعالى ألّا يعذّب قوما إلّا بعد أن يرسل إليهم من ينذرهم ثم ذكر سبحانه، أنه بلغ من استحكام غفلتهم، أنهم كانوا كأنّما كانت في أعناقهم أغلال بلغت إلى أذقانهم، فارتفعت بها رؤوسهم وصاروا لا يبصرون الطريق الّذي يخلّصهم منها ثم ذكر أن من وصلت بهم الغفلة إلى هذا الحدّ، وهم الأكثر عددا، لا فائدة في إنذارهم، وإنّما ينذر من كان عنده استعداد لاتّباع الذكر، وخشية من العذاب، وهؤلاء لهم البشرى بمغفرة وأجر كريم: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢) .
إثبات قدرته على عذابهم الآيات [١٣- ٨٣]
ثم قال تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) فذكر سبحانه، ممّا يدلّ على قدرته على عذابهم، مثل أصحاب تلك القرية مع رسلهم، وقد فصّله بما فصله به، إلى أن ذكر سبحانه، أنه لم يحتج في عذابهم إلى إنزال جند من السماء عليهم، وإنما كانت صيحة واحدة أخمدتهم، وجعلتهم يستحقّون التحسّر على ما أصابهم، بسبب استهزائهم بمن كان يأتيهم من الرسل، وعدم اتّعاظهم بما يرونه من الأمم الّتي أهلكت قبلهم، وأنّهم إليهم لا يرجعون: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) .
ثم ذكر تعالى من ذلك، آية إحياء الأرض بعد موتها، فأخرج منها حبّا وجعل فيها جنات من نخيل وأعناب، إلى غير هذا ممّا ذكره في هذه الآية.
ثمّ ذكر سبحانه من ذلك آية سلخ النهار من الليل، وجري الشمس لمستقرّ لها، وتقدير القمر منازل، الى غير هذا ممّا ذكره في هذه الآية.
ثم ذكر جلّ جلاله، من ذلك آية حمل ذرّيتهم في الفلك الّتي تجري بهم في البحر، وأنه، جلّ شأنه، إن يشأ يغرقهم، فلا يقدر أحد على إنقاذهم، ولكنّ رحمته سبحانه هي الّتي اقتضت أن يمهلهم الى حين ثم ذكر أنهم مع