هذا، إذا قيل لهم احذروا مثل هذا العذاب، لعلّ الله يرحمكم، ويمنعه عنكم، أعرضوا كما يعرضون عن كل آية تأتيهم، وأنهم إذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله، قالوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه، ثم ذكر سبحانه أنهم يقولون مستهزئين متى هذا الوعد بالعذاب؟ وأجاب عنه بأنهم لا ينظرون إلّا صيحة واحدة وهم يجادلون فيه، فلا يستطيعون توصية ولا رجوعا الى أهلهم ثم ذكر جلّ وعلا أنه بعد صيحة العذاب، تكون صيحة النفخ في الصور، فيبعثون من القبور وفصّل ما يكون بعد البعث من الثّواب والعقاب، إلى أن ذكر أنّ الكافرين ينكرون في ذلك اليوم كفرهم، فيختم على أفواههم، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم وأنه لو يشاء سبحانه لطمس على أعينهم، ومسخ على مكانتهم، فأعجزهم عن الحركة كما أعجزهم عن النطق بالختم على أفواههم كما ينكّس من يعمّره في الخلق، فيردّه من القوة إلى الضعف والإعياء ثم ذكر أن ما يوعدون به من ذلك ليس بقول شاعر يلقي القول على عواهنه، وإنّما هو ذكر وقرآن مبين لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠) .
ثم ذكر من ذلك، أنّه سبحانه خلق لهم أنعاما، وذلّلها لركوبهم وأكلهم، وجعل لهم فيها منافع ومشارب توجب شكره عليهم ولكنّهم يتّخذون من دونه آلهة يزعمون أنها تنصرهم، وتدفع عنهم ما يوعدون به من العذاب، مع أنها لا تستطيع أن تدفع عنهم شيئا إذا جاء يوم عذابهم وتتبرّأ منهم ثم نهى النبي (ص) أن يحزن لكفرهم بقوله تعالى: فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦) .
ثمّ ذكر سبحانه، من ذلك، خلقه الإنسان من نطفة، فإذا هو خصيم مبين وذكر من خصامه أنه يضرب مثلا لإنكار بعثه فيقول كما ورد في التنزيل: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) ، وأمر النبي (ص) أن يجيبه بأن الّذي أنشأها أوّل مرة، قادر على إحيائها وذكر من قدرته تعالى، على ذلك أنّه يجعل من الشجر الأخضر نارا، وأنّه هو الّذي خلق السماوات والأرض، وإذا أراد شيئا قال له: