للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بما يدلّ عليها أمّا الذات فهي أعلى وأرفع من أن تتوجّه عقولنا إليها إلّا بما نلحظ من هذه الصفات التي تقوم عليها الدلائل، وترشد إليها الآيات، ولهذا أمرنا بتسبيح اسمه تكليفا لنا بما يسعه طوقنا، والله أعلم» .

[الآيتان ٦ و ٧] : سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ سننزل عليك كتابا تقرأه، ولا تنسى منه شيئا بعد نزوله عليك.

وهي بشرى للنبي (ص) ، تريحه وتطمئنه على هذا القرآن العظيم الجميل الحبيب إلى قلبه، الذي كان يندفع بعاطفة الحبّ له، وبشعور الحرص عليه، وبإحساس التبعة العظمى فيه، إلى ترديده آية آية وراء جبريل، وتحريك لسانه به خيفة أن ينسى حرفا منه، حتّى جاءته هذه البشائر المطمئنة بأنّ ربّه سيتكفّل بهذا الأمر عنه. إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [الآية ٧] أن تنساه بنسخ تلاوته وحكمه، أما ما لا ينسخ فإنّه محفوظ في قلبك.

إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧) وكأنّ هذا تعليل لما مرّ في هذا المقطع من الإقرار والحفظ والاستثناء، فكلّها ترجع إلى حكمة يعلمها من يعلم الجهر وما يخفى، ويطّلع على الأمر من جوانبه جميعا، فيقرّر فيها ما تقتضيه حكمته، المستندة إلى علمه بأطراف الأمر جميعا.

[الآية ٨] : وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) أي نوفّقك للشريعة السمحة التي يسهل على النفوس قبولها، ولا يصعب على العقول فهمها.

[يسر الشريعة الإسلامية]

يسّر الله سبحانه القرآن للقراءة وللعمل بأحكامه، ويسّر الشريعة، ويسّر الأحكام وجعلها في طاقة الناس، ولا حرج فيها ولا عنت، قال تعالى:

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢) [القمر] . وقال سبحانه: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج/ ٧٨] . وقال تعالى: ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [المائدة/ ٦] . وقال تعالى:

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة/ ٢٨٦] .

وكان النبيّ (ص) سهلا سمحا مؤلّفا محبّبا، وما خيّر بين أمرين إلّا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فكان أبعد الناس عنه، وكان سلوك النبي (ص)