للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من غدر بكر بهم ومعاونة قريش عليهم، وأنشد عمرو بن سالم، بين يديه:

يا ربّ إنى ناشد محمّدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا

إنّ قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكّدا

هم بيّتونا بالوتير هجّدا ... وقتلونا ركّعا وسجّدا

فانصر هداك الله نصرا أيّدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا

فقال له رسول الله (ص) نصرت يا عمرو بن سالم.

وأخذ رسول الله يتجهّز لفتح مكّة، وطوى الأخبار عن الجيش كي لا يشيع الأمر فتعلم قريش فتستعدّ للحرب، والرسول الأمين لا يريد أن يقيم حربا بمكّة، بل يريد انقياد أهلها مع عدم المساس بهم، فدعا الله قائلا: «اللهمّ خذ العيون والأخبار عن قريش حتّى نبغتها في بلادها» .

[حاطب يفشي السر]

كان حاطب من كبار المسلمين، وقد شهد مع النبي غزوة بدر مخلصا في جهادها، ولكنّ في النفس الانسانية جوانب ضعف تطغى في بعض الأحيان عليها، وتهوي بها من المنازل العالية الى الحضيض. لقد كتب حاطب كتابا إلى قريش، يخبرهم فيه بعزم المسلمين على فتح مكّة، واستأجر امرأة من مزينة تسمّى سارة، وجعل لها عشرة دنانير مكافأة، وأمرها ان تتلطّف وتحتال حتّى توصل كتابه الى قريش، فأخذت المرأة الكتاب فأخفته، وسلكت طريقها الى مكة. ثم أخبر الله رسوله بما صنع حاطب، فأرسل النبيّ علي بن أبي طالب والزبير بن العوام في إثر المرأة، فأدركاها في الطريق، واستخرجا منها الكتاب، فأحضراه الى رسول الله (ص) فدعا رسول الله (ص) حاطبا، فأطلعه على الكتاب، ثم قال له: ما حملك على هذا؟ فقال حاطب:

يا رسول الله لا تعجل عليّ، فو الله إنّي لمؤمن بالله ورسوله، ما غيّرت ولا بدّلت، ولكنّي كنت امّرأ ليس لي في القوم من أهل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم ولم أفعل ذلك ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإيمان.

ورأى النبيّ صدق لهجة حاطب، وحسن نيّته في ما أقدم عليه من ذلك