وفي الآية الأخيرة من السورة، نجد لمسة التخفيف النديّة، ودعوة التيسير الإلهي فقد لبّى النبيّ (ص) الدعوة إلى قيام الليل، ولبّى المسلمون الدعوة، وتجافت جنوبهم عن المضاجع، وقاموا الليل حتّى تورّمت أقدامهم من طول القيام وقد أشار القرآن الكريم إلى أنّ الله، سبحانه، يعلم أنّ الرسول (ص) يقوم الليل وأنّه سبحانه يرى تقلّبه (ص) في الساجدين وأنّه سبحانه يعلم أنكم لن تحصوا ساعات الليل إحصاء تاما، فإذا زدتم على المفروض ثقل ذلك عليكم وكلفتم ما ليس بفرض وإن نقصتم شقّ هذا عليكم، فتاب عليكم ورجع بكم من تثقيل إلى تخفيف، ومن عسر إلى يسر وطلب إليكم أن تصلّوا ما تيسّر من الليل، على قدر طاقتكم.
وإن لهذا التخفيف حكمة أخرى، وهي أنه سبحانه علم أن سيكون منكم مرضى، وآخرون يسيحون في الأرض، يطلبون من فضل الله بالتجارة أو العلم، وآخرون يقاتلون في سبيل الله، فقد علم الله تعالى أن سيأذن لكم في الانتصار ممّن ظلمكم بالقتال، فصلّوا ما تيسّر لكم من صلاة الليل، بدون تقيّد بقدر محدّد، وأقيموا الصلاة المفروضة، وآتوا الزكاة الواجبة، وتصدّقوا بعد ذلك قرضا لله، يبق لكم خيره، ويردّه الله إليكم أضعافا مضاعفة. وما تقدّموا لأنفسكم من صدقة، أو عمل صالح في الدنيا، تجدوا ثوابه عند الله يوم القيامة، خيرا ممّا أوتيتم في دار الدنيا، وأعظم منه أجرا واتّجهوا إلى الله مستغفرين، إن الله غفور رحيم.
إنّها لمسة الرحمة والتخفيف، بعد عام من الدعوة إلى القيام وقد خفّف الله سبحانه عن المسلمين فجعل قيام الليل لهم تطوّعا لا فريضة.
أمّا رسول الله (ص) فقد مضى على نهجه مع ربّه، لا يقلّ قيامه عن ثلث الليل، يناجي ربّه ويستمدّ منه العون والتوفيق، في أداء رسالته. وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨)[هود] .