عبادته، وإقامة الصلاة له في أوقاتها من فروض ونوافل، لينصره عليهم، ويبعثه مقاما محمودا يظهر فيه أمره عليهم وقد كان ذلك بالهجرة إلى المدينة، وكان الإسراء قبلها بسنة واحدة، ثم أمره أن يلجأ إليه في تهيئة ذلك المقام المحمود حتى يخرجه من مكّة مخرج صدق، ويدخله ذلك المقام المحمود مدخل صدق، وأن ينبئهم بقرب ذلك اليوم الذي يظهر فيه حقّه على باطلهم وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١) .
عود إلى بيان فضل القرآن الآيات (٨٢- ١١١)
ثم قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (٨٢) ، فعاد السياق إلى الكلام على فضل القرآن، وذكر أنه سبحانه ينزّل منه ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، ويزداد به الكافرون خسارا إلى خسارهم ثم بيّن سبب ذلك فيهم، وهو استكبارهم واغترارهم بأموالهم التي أنعم الله بها عليهم فذكر سبحانه أن شأن الكافر إذا أنعم عليه استكبر، وإذا مسّه الفقر بلغ به اليأس كل مبلغ ثم ذكر أن كلّا من المؤمنين والكافرين، يعمل من ذلك على شاكلته، وأنه سبحانه أعلم بمن هو أهدى سبيلا منهم ثم ذكر تعالى أنهم يسألون النبيّ (ص) عن الروح، وهو القرآن، ما دليله على أنه من عند الله؟
وأمره أن يجيبهم بأنه من أمره، وأن ما جاءهم به من العلم قليل بالنسبة إلى واسع علمه وأنه سبحانه لو شاء أن يأخذ هذا القليل وذهب بما أوحى إليه من القرآن لفعل، لأنه لا يريد به شيئا لنفسه، وإنما يريد مصلحتهم ثم بيّن لهم الدليل على أنه من عنده، وهو عجز الإنس والجن أن يأتوا بمثله وذكر أنه تحدّاهم بذلك على وجوه كثيرة، فمن عشر سور إلى سورة واحدة، إلى التحدي به كلّه ولكنهم يأبون إلا كفورا، ويطلبون معجزات أخرى، كأن يفجّر لهم ينبوعا من الأرض، أو يكون له في واديهم جنّة من نخيل وعنب تجري فيها الأنهار، إلى غير هذا مما اقترحوه على وجه التعنّت والتحكّم، وقد أمره تعالى بأن يجيبهم بأنه ليس إلّا بشرا رسولا ثم ذكر أنهم لم يمنعهم من الايمان بالقرآن، إلّا استبعادهم أن يكون رسوله من البشر، وأمره أن يجيبهم بأنه لو