قبل، وصبر على فقده أيضا صبرا جميلا. ورجا من الله أن يأتيه بأبنائه جميعا، ثم أعرض عنهم، وأظهر أسفه على يوسف، وصار يبكي عليه حتى ذهب بصره، فأشفق عليه أبناؤه، وأخبروه بأنه لا يفتأ يذكر يوسف حتّى يمرض أو يهلك فأجابهم بأنه إنما يشكو أمره إلى الله، ويعلم منه ما لا يعلمون، ثم أمرهم أن يذهبوا إلى مصر، فيفتشوا عن يوسف وأخيه، ولا ييأسوا من رحمة الله، فأطاعوا، وذهبوا إلى مصر يمتارون ويفتشون عن أخويهم فلما دخلوا على يوسف شكوا إليه ما مسّهم وأهلهم من الضر، وأنهم جاءوا ببضاعة رديئة يرجون أن يقبلها منهم، وأن يعطيهم بدلها كيلا وافيا، ويتصدق بذلك عليهم فلمّا شكوا إليه ذلك رقّ لهم ودمعت عيناه، وسألهم عمّا فعلوه بيوسف وأخيه، وهم في جهل الشباب، فقالوا له أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) .
ثم ذكر تعالى، أنهم لما عرفوه، اعترفوا له بالمزيّة والفضل، وأقرّوا بأنهم أخطئوا فعفا عنهم، ورجا من الله أن يغفر لهم، وأمرهم أن يذهبوا بقميصه، فيلقوه على وجه أبيه ليأتي إليه بصيرا، ويأتوا بأهلهم أجمعين ثم ذكر سبحانه، أنهم رجعوا إلى أبيهم، وألقوا عليه القميص فارتدّ إليه بصره، وأنهم أتوا بأهلهم، فلما دخلوا على يوسف، ضمّ إليه أبويه، ورفعهما إلى سريره الذي يجلس عليه، وأنهم خرّوا له سجّدا سجود تكريم، وأن يوسف أخبر أباه، بأن هذا هو تأويل رؤياه من قبل، قد جعلها ربّه حقا، وقد أحسن به إذ أخرجه من السجن، وجاء بهم إليه، من بعد أن نزغ الشيطان بينه وبين إخوته، إنه لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١) .
الخاتمة الآيات (١٠٢- ١١١)
ثم قال تعالى ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) فذكر سبحانه،