إن قيل: النداء هو الصوت والصياح، يقال ناداه نداء: أي صاح به، فلم وصف النداء بكونه خفيّا، كما جاء في الآية ٣؟
قلنا: النداء هنا عبارة عن الدعاء، وإنما أخفاه ليكون أقرب إلى الإخلاص، أو لئلا يلام على طلبه الولد بعد الشيوخة، أو لئلا يعاديه بنو عمه، ويقولوا: كره أن نقوم مقامه بعده، فسأل ربّه الولد لذلك.
فإن قيل: لم قال تعالى: يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ [الآية ٦] ، والنبي لا يورث لقوله (ص) : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث. ما تركناه صدقة» ؟ قلنا: المراد بقوله تعالى يَرِثُنِي:
أي يرثني العلم والنبوّة، ويرث من آل يعقوب الملك، وقيل الأخلاق فأجابه الله تعالى إلى وراثته العلم والنبوّة والأخلاق، دون الملك، والمراد بقوله (ص)«لا نورث» المال ويؤيده قوله (ص)«ما تركناه صدقة» . ويعقوب هنا والد يوسف عليهما السلام، وقيل لا بل هو أخو زكريا، وقيل لا بل هو أخو عمران الذي هو أبو مريم.
فإن قيل لم قال تعالى: يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ بتعدية الفعل في الأول بنفسه والثاني بحرف الجر، وهو واحد؟
قلنا: يقال ورثه وورث منه، فجمع السياق بين اللغتين. وقيل «من» هنا
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.