للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للتبعيض لا للتعدية، لأن آل يعقوب لم يكونوا كلهم أنبياء ولا علماء.

فإن قيل: كيف طلب الولد بقوله، كما ورد في التنزيل فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) . أي ولدا صالحا، فلمّا بشره الله تعالى بقوله: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ [الآية ٧] استبعد ذلك وتعجّب منه، وأنكره كما ذكر القرآن، بقوله: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ [الآية ٨] .

قلنا: لم يقل ذلك على طريق الإنكار والاستبعاد، بل ليجاب بما أجيب به عن طلبه الولد، وهو قوله تعالى: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى، فيزداد الموقنون إيقانا ويرتدع المبطلون، وإلّا فمعتقد زكريّا أولا وآخرا، كان على منهاج واحد في أنّ الله تعالى غنيّ عن الأسباب.

الثاني: أنه قال ذلك تعجّب فرح وسرور، لا تعجّب إنكار واستبعاد.

الثالث: قيل إنه قال ذلك استفهاما عن الحالة التي يهبه الله تعالى فيها الولد:

هل يهبه في حال الشيخوخة أم يردّه إلى حالة الشباب ثم يهبه، ولكن هذا الجواب لا يناسبه ما أجيب به زكريا (ع) بعد استفهامه. فإن قيل: لم قيل: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً [الآية ١٠] والآية العلامة، فعلام طلب العلامة على وجود الولد بعد ما بشّره الله تعالى به أكان عنده شكّ بعد بشارة الله تعالى في وجوده حتى طلب العلامة؟

قلنا: إنّما طلب العلامة على وجود الحمل ليبادر إلى الشكر ويتعجّل السرور فإن الحمل لا يظهر في أوّل العلوق بل بعد مدة، فأراد معرفته أوّل ما يوجد، فجعل الله آية وجود الحمل عجزه عن الكلام، وهو سويّ الجوارح ما به خرس ولا بكم.

فإن قيل: لم قالت مريم، كما ورد في التنزيل: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا

(١٨) . وإنما يتعوّذ من الفاسق لا من التقيّ.

قلنا: معناه إن كنت ممّن يتقي الله ويخشاه فانته عنّي بتعوّذي به منك فمعنى أعوذ أحصل على ثمره التعوّذ.

وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما، أنه كان في زمانها رجل اسمه تقيّ، ولم يكن تقيّا بل كان فاجرا، فظنّته إيّاه فتعوّذت منه والقول الأول هو الذي عليه المحقّقون وقيل هو على المبالغة، معناه: إني أعوذ منك إن