إن قيل: قوله تعالى: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الآية ١] يدل على أن المعدوم شيء.
قلنا: لا نسلّم، ومستنده أن المراد أنها إذا وجدت كانت شيئا لا أنها شيء الآن، ويؤيد هذا قوله تعالى:
عَظِيمٌ مع أن المعدوم لا يوصف بالعظم.
فإن قيل: لم قال تعالى أوّلا: يَوْمَ تَرَوْنَها
[الآية ٢] بلفظ الجمع، ثم أفرد فقال في الآية نفسها: وَتَرَى النَّاسَ
؟
قلنا: لأن الرؤية أولا علّقت بالزّلزلة، فجعل الناس كلهم رائين لها، وعلقت آخرا بكون الناس على هيئة السكارى، فلا بد من أن يجعل كل واحد منهم رائيا لسائرهم.
فإن قيل: لم قال تعالى في حق النضر بن الحارث: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ [الآية ٣] إلى أن قال لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الآية ٩] وهو ما كان غرضه في جداله الضلال عن سبيل الله، فكيف علل جداله به وما كان أيضا مهتديا حتى إذا جادل خرج بالجدال من الهدى إلى الضلال؟
قلنا: هذه لام العاقبة والصيرورة، وقد سبق ذكرها غير مرة، ولما كان الهدى معرضا له، فتركه وأعرض عنه وأقبل على الجدال بالباطل، جعل كالخارج من الهدى إلى الضلال.
فإن قيل: النفع والضر منفيان عن
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.