عرض موسى هذه الآيات الكونية أمام فرعون، وأراه المعجزات الظاهرة الملموسة، من اليد والعصا.
ولكنّ فرعون قابل هذه المعجزات الواضحة، والحجج البالغة، بالجحود والكنود «١» وأخذ فرعون يكيل التهم لموسى، ويسفّه دعوته، ويصفه بالطمع في الملك، ويصف معجزاته بأنها سحر ظاهر مبين.
[موسى والسحرة]
توعّد فرعون موسى بأن يجمع له السحرة من كلّ مكان، ليبطلوا سحره ويظهروا عجزه. وقبل موسى التحدّي، وحدّد يوم العيد واجتماع الناس في زينتها الجديدة موعدا للمبارزة، حتّى يشيع الحق ويظهر ظهور الشمس.
وجمع السحرة في يوم العيد، ولم يتخلّف واحد منهم فإذا بهم آلاف، مع كل واحد منهم حبل وعصا، وخيّروا موسى: قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) .
فترك لهم موسى فرصة البدء، واستبقى لنفسه الكلمة الأخيرة. فتقدّم السحرة وألقوا ما في أيديهم من حبال فتحركت الحبال وماجت بها الساحة، وسحرت عيون المشاهدين، وملأتهم بالرهبة والإجلال لهذا العمل العظيم.
وخشي موسى أن يخدع الناس عن الحق، وأدركه خوف الداعية على دعوته، فذكّره الله سبحانه، بأنه معه، وبأنه على الحق وعدوّه على الباطل، وبأنه رسول مؤيّد بالمعجزة وعدوّه ساحر، مضلّل مخادع:
قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩) .
وألقى موسى عصاه، فابتلعت أعمال السحرة في سرعة مذهلة، وأدرك السّحرة أنّ عمل موسى ليس سحرا، ولكنه معجزة وبرهان من الله على صدق رسالته فإذا بهم يخرّون لله ساجدين توبة عما صنعوا، وخشوعا لهيبة الحقّ، وإكبارا لذلك الأمر الخطير، وإيمانا بالله ربّ العالمين.