قال الله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) ، فذكر تسبيح ما في السماوات وما في الأرض له، وأنه سبحانه عزيز حكيم ومهّد بهذا لما أراده من بيان فضله على المسلمين في هذه الغزوة فذكر جلّ شأنه، أنه هو الذي أخرج بني النضير من ديارهم لأول الحشر، الذي سيكون بإخراج اليهود جميعهم من جزيرة العرب وكان المسلمون لا يظنّون أن يخرجوا، وكانوا هم يظنون أنّ حصونهم تمنعهم من الله، فقذف في قلوبهم الرعب حتى رضوا بالخروج ولولا هذا لعذّبوا في الدنيا بالقتل، ولهم في الاخرة عذاب النار ثم ذكر سبحانه أنّ ما قطعه المسلمون من أشجارهم قبل الصلح، وما تركوه منها كان بإذنه، وكان في أنفسهم شيء ممّا قطعوه منها، ولعلّهم ندموا على قطعها بعد أن صار ما بقي منها لهم ثم ذكر تعالى أنّ ما أفاءه عليهم من أموالهم لم يكن بقتال وأنّ حكم ما أفاءه عليهم بغير قتال أن يكون سهم منه لله والرسول، ينفق في عمارة المساجد ونحوها، وسهم لذوي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطّلب، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل، فلا يأخذ لأغنياء منه شيئا، وإنّما يأخذه فقراء المهاجرين، الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم تعويضا لهم وقد أثنى سبحانه عليهم في هجرتهم وتضحيتهم بأموالهم، وأثنى بعدهم على الأنصار الذين آووهم في دار هجرتهم، وطابت نفوسهم بتوزيع أموال بني النّضير عليهم وأثنى بعد الفريقين على من يجيء بعدهم، ويسلك سبيلهم، في ما كان من تضحية وإيثار وتحابّ ثم ذكر ما كان من قول المنافقين لبني النضير لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ [الآية ١١] وذكر سبحانه أنهم كاذبون في وعدهم لهم، فلئن أخرجوا لا يخرجون معهم، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم، ولئن نصروهم ليولّنّ الأدبار جميعا لأنهم يرهبون المسلمين أشد من رهبتهم من الله، فلا يقاتلونهم إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر لأنهم ضعاف بسبب عداوة بعضهم لبعض، فيحسبهم من ينظر إليهم أنهم على وفاق، ولكنّ قلوبهم مختلفة